وعظتني نفسي

وعظتني نفسي فعلّمتني حبّ ما يمقته الناس ومصافاة من يضاغنونه وأبانت لي أن الحبّ ليس بميزة في المحبّ بل في المحبوب .

وقبل أن تعظني نفسي كان الحبّ بي خيطا دقيقا مشدودا بين وتدين متقاربين , أما الآن فقد تحوّل إلى هالة أولها آخرها وآخرها أولها تحيط بكل كائن وتتوسع ببطء لتضم كل ماسيكون .

وعظتني نفسي فعلمتني أن أرى الجمال المحجوب بالشكل واللون والبشرة ,وأن أحدق متبصرا بما يعده الناس شناعة حتى يبدو لي حسنا .

وقبل أن تعظني نفسي كنت أرى الجمال شعلات مرتعشة بين أعمدة من الدخان .

وعظتني نفسي فعلمتني الإصغاء إلى الأصوات التي لا تولدها الألسنة ولا تضج بها الحناجر .

وقبل أن تعظني نفسي كنت كليل المسامع مريضها , لا أعي سوى الجلبة والصياح , أما الآن فقد صرت أتوجس بالسكينة فأسمع أجواقها مستعيدة أغاني الدهور , مرتلة تسابيح الفضاء , معلنة أسرار الغيب .

جبران خليل جبران