عادةً استيعابُ الأطفالِ يختلف عن استيعاب الكبار وهذا ما حدث مع الطفلة نور إسمعوا القصة :

عندما نجحت راما بتفوق اشترت لها أمي قرطين جميلين من الذهب ، رنوت إليهما ، يلمعان في ضوء الشمس ، وتمنيت أن يكون عندي مثلهما . حين شاهدتني أمي أجربهما على أذني وعدتني قائلةً : – عندما تكبرين يانور ، وتتفوقين مثلَ راما ، سوف أحضر لك أجمل منهما .

بعد بضعة أيامٍ بينما كانت أمي تزرع البندورة في الفسحة الواسعة أمام دارنا ؛ قمتُ وإخوتي باقتلاع بعض الشتلات الصغيرة _ دون دراية من أمِّي _ لنعيد زراعتها في الأيسر منها .

أما أخي الصغير رامي ، فكان يغرسها في المكان الأوسط

وبينما أنا أزرعُ هذه الشتلات قلتُ في نفسي : غداً ستكبر وستحملُ حبات البندورةِ ، لتملأ الفسحة كلَّها ، وتتفاخر راما كعادتها .

_ ثماري أكبرُ من ثماركما .

يردُّ رامي : _ بل ثماري أكبرُ .

استيقظت مبكرةً ، ومضيت إلى الخزانةِ ، حيث وضعت راما قرطيها الذهبيين في درجها ، فأحضرتهما ، واتجهت صوب المكان المخصص لي .

نبشت الأرض ، ثمََّ زرعت القرطين بسرعة ٍ ، مثلما تزرع أمي البندورة .

بعد ذلك رحتُ أسقيهما كلََّ يومٍ . فاستغربت أمي ما أفعله ُ، ونبهتني :

_ يا نور : سوف تنبت البندورة في أوانها . ولا فائدة من كثرةِ الماء .

سألتها : _ ومتى يكون ذلك ؟

_ بعد شهرٍ تقريباً يا حبيبتي .

وابتسمت أمي بينما رحتُ أحلمُ بأن تثمرَ شتلتي أقراطاً ذهبيةً كثيرةً ، و

عندما أقومُ بتوزيعها على أفراد عائلتي لكل واحدٍ منهم زوج من الأقراط والأقراط المتبقية بعد التوزيع سوف أقوم ببيعها كما يفعلُ أبي ، فبعدَ قطفِ حباتِ البندورة يضعها في صناديق خشبية ٍ ثمََّ يمضي بها إلى السوق ،حيث تباعُ الخضراوات و الفواكه ، لكنني حسمتُ الموقفَ أخيراً : _ ما مِن مشكلةٍ : سوفَ أوزع الباقي على بناتِ خالي ، وصديقاتي اللواتي يلعبنَ معي في الحارة ِ .

ما كاد يمضي شهرٌ حتى دُعينا إلى المدينة ِ لحضورِ زفاف ِ ابنةِ خالي الكبرى . فلبسنا ثيابنا الجميلةَ ، وفتحت راما درج َخزانتِها ، حيثُ وضعت قرطيها الذهبيين ، لكنها فوجئت باختفائهما !

فراحت تصيح بانزعاجٍ : _ لقد وضعتُهما بيبدي هنا .

قلَّبت راما الخزانةَ أسفلَها أعلاها ، وهي تفتشُ عن قرطيها الذهبيين لكن بلا فائدة .

سمعت أُمي صياحَها ، فجاءت مسرعةً ، وسألت : _ ما هذه الفوضى يا بنات ؟

قالت راما : _ لم أجد في درجي قرطيََّ الذهبيين يا أمي .

حينها تقدمَتُ من راما وسألتُها : _ ألا تقبلين أن تزرعي قرطيكِ لتحصلي على شتلةِ أقراطٍ بعدَ شهرٍ ؟

نظرت إليََّ راما مندهشةً ، فأجبتُ في ثقةٍ :

_ هكذا تفعلُ أمي عندما تزرعُ البندورة !

في ذلكَ اليوم اجتمعتِ العائلةُ كلُّها في الفسحةِ الواسعةِ أمام دارِنا ، وراحَ الجميعُ ينبشونَ الأرضَ ، كأنََّ الأرضَ ابتلعتهُما في جوفِها فقرََّرت أمي منعي من مرافقتِها لحضورِ عرسِ ابنةِ خالي ، وهدََّدت أن تمنعَ عني المصروفَ اليومي حتََّى تشتري لراما قرطين ذهبيينِ جديدين بدلاً عن الضائعين .