بكر بن حماد التاهرتي:

هو أحد شعراء العصر الأندلسي ولد سنة ٢٠٠ هجري في تاهرت، ونشأَ كغيره من العلماء، فذهبَ إلى الكتّاب وتعلّمَ مبادئَ القراءة وحفظَ شيئاً منَ القرآنِ ومبادئِ الحساب، حتّى بلغَ السّابعةَ عشرم ن عمره، لجأَ إلى القيروان التي كانت مرموقة أدبيّاً.

أخذَ عن شيوخ القيروان مبادئ الفقه والقرآن وعلومه والآداب، وبعدَ ذلكَ وجدناه في المشرق

ثمّ ذهبَ إلى بغداد، والتقى عدداً منَ العلماء والأدباء والشّعراء.

كأبي تمّام الطّائي، دعبل الخزاعي.

اتصلَ بالخليفة المعتصم العبّاسي ومدحهُ  إلى أن حصلَ خلاف بينه وبينَ الأمير فعادَ إلى

تاهرت هوَ وابنه و تعرّضَ لهم اللُّصوص في الطّريق فقتلوا الابن وجرحوا الأب، فدفنَ بكر

ابنه، وماتَ بتاهرت.

كانَ شاعراً ولهُ شعر من طبقةٍ جيّدة، ولكنّ شعره ضاعَ نتيجةً لكثير منَ الحروب

كنكبة القيروان، وقلّما نجد قصيدةً طويلة له.

طرقَ بكر بن حمّاد التاهرتي أغراضاً شعريةً عدّة منها:

أوّلاً__ غرض المدح:

نشأَ بكر بن حمّاد نشأةً دينيّةً وكانَ يعدُّ من فقهاء المذهب المالكي، ومع ذلكَ فقد كتبَ قصائد مدح ( التكسُّب ) وهوَ مدحٌ ملحٌّ في التّكسب، فقد صرّحَ بطلبه، وكانَ يُبدع في طريقة إظهاره لهذا المدح، وأيضاً هو مدح تقليدي، بالقيَم التَّقليديّة ( الكرم والشّجاعة ) وهُما القيمتان الأساسيتان منذ العصر الجاهلي.

1_ مدح الأدارسة: 

يقول بكر مادحاً أحمد بن القاسم بن إدريس مؤسّس دولة الأدارسة:

إنّ السّماحةَ والمروءةَ والنّدى            جُمِعوا لأحمدَ  من بني القاسمِ

وإذا تَفاخرتِ القَبائل وانتمَت           فافخر بفضلِ محمّدٍ وبفاطمِ

إنّي لمشتاقٌ إليكَ وإنّما                 يسمو العقابُ إذا سما بقوادمِ

فابعث إليّ بمركبٍ أسمو بهِ           علّي أكونُ عليكَ أوّلَ قادمِ

واعلم بأنّكَ لن تنالَ محبةً              إلاّ ببعضِ ملابسٍ ودراهمِ

في هذهِ الأبيات يمدح بكر ممدوحهُ بالشّجاعةِ والكرم وعراقة النّسب.

كما أنّهُ خاطبَ ممدوحهُ كخطابِ النّد للنّد، وصرّحَ في طلبهِ للمال بالبيت الأخير، وهذا النّوع منَ الخطاب نجدهُ  عندَ ابن رشيق القيرواني حيثُ يقول:

إنّي لقيتُ مشقّة           فابعث إليّ بشقّة

كمثلِ وجهكَ حُسناً        ومثل دينيَ رِقّة

2__ مدح الأغالبة:

يقول بكر مادحاً أحمد بن سُفيان عامل الأغالبة على إقليم الزّاب:

وقائلةٍ زارَ الملوكَ فلم يَفد         فيا ليتهُ زارَ ابنَ سفيانَ أحمدا

فتىً يسخطُ المالَ الذي هوَ ربّهُ     ويرضي العوالي والحسامَ المهنّدا

نلتمسُ تصريح غير مُباشر عن طريق القول على لسان المرأة، وهُنا يمدحهُ بقيمتين بارزتين

هما الكرم والشّجاعة، فهوَ يُغضِبُ المالَ من خلال إتلافه، وهُنا موضع كرمه وبالمقابل

يسعى لإرضاء العوالي والسّيوف من خِلال سقايتها بدماء الأعداء وهنا موضعُ الشّجاعة.

3__ الاعتذار: صلةٌ وشيجةٌ تربِطُ بينَ المَدح والاعتذار، وهذا ما وجدناهُ منذُ أن درَسنا شعر النّابغة الذّبياني، أمّا في اعتذار بكر بنُ حمّاد …… فيبدو أنَّ فتنةً قد حصلت في الدّولةِ الرّستُميّة فتوهّمَ النّاس أنّ الأمير ابن حاتم الرُّستمي قد أُزيحَ عن المملكة.

ممّا أدّى إلى فرحِ بعض النّاس، ودخلَ بكر في هذهِ الفِتنة، ومدحَ الذينَ أطاحوا بالأمير الرُّستمي؛ ولكن سُرعانَ ما انقلبت الآية وعادَ الأمير إلى كرسيّه، فأصبحَ بكر في ورطة، فأرادَ أن يعتذرَ للأمير وأن يستلَّ السّخيمةَ مِن قلبهِ فقالَ مُعتذراً إلى الأمير ابن حاتم الرّستمي:

ومؤنسةٍ لي بــــالعراقِ تركتُها            وغصنُ شَبابي في الغّصونِ نضيرُ

فقالت كما قالَ النَّواسيّ قبلها         عزيزٌ علينا أن نراكَ تسيـــــــــــرُ

فقلتُ جفاني يوسف بنُ محمّدٍ       فطــــــالَ عليَّ الليلُ وهـوَ قصيرُ

أبا حاتمٍ ما كانَ ما كانَ بغضةً         ولكن أتتْ بعدَ الأمور أمورُ

وأكرمُ عفوٍ يؤثرُ النّاسُ أمرهُ          إذا ما عفا الإنسانُ وهوَ قديـــــــــرُ

يتحدّث بكر بن حمّاد في هذه الأبيات عن حالهِ وخوفهِ واضطرابه، وعن ليلهِ الذي طالَ حتَّى كادَ لا يَنتهي

غيرَ أنّه بهذه الأبيات استطاعَ أن ينالَ عفوَ الأميرِ ورضاه.

 

الهجاء عند بكر بن حماد التاهرتي:

1__ هجاء دعبل الخزاعي:

بالنّسبة للهجاء فهذا الأمر قد استُغرِبَ مِنه عندَ بكر، فالمُسلم لا يكون لعّاناً

ولاطعّاناً !! يقولُ بكر بن حمّاد هاجياً (دعبل الخزاعي)  ومحرّضاً عليه:

أيهجو أميرَ المؤمنينَ ورَهطهُ                ويمشي على الأرضِ العريضةِ دُعبلُ

أمَا والذّي أرسى ثبيراً مكانَه                 لقد كادَت الدّنيا لذاكَ تُزلزل

ولكن أميرَ المؤمنينَ بفضلهِ               يهمُّ فيَعفو أو يقولُ فيفعلُ

خافَ (دعبل الخزاعي)  على نفسهِ بعدَ هذهِ الأبيات فهربَ إلى مصر وماتَ في القاهرة، وبعدما سمعَ أبو تمّام هذه الأبيات عاتبَ بكراً  وقالَ لهُ: (والله قتلته يابكر )

2___ الهجاء الديني: 

وهناكَ قضيّة أُخرى نستطيعُ أن نردّها إلى الهِجاء الديني، وهيَ قصيدتهُ الميميّة

التي قالها هاجياً  ( عبد الرحمن بن ملجم )  قاتل الإمام علي بن أبي طالب رضيَ

اللهُ عنهُ ويهجو فيها أيضاً ( عُمران بن حطّان )  شاعر الخوارج، لأنّ هذا الشّاعر قد مدحَ

( عبد الرحمن بن ملجم )  وجعلَ ( عمران بن حطّان )  من ابن ملجم رجلاً  تقيَّاً

هذه القصيدة من أجمل القصائد التي حَفلت بها كُتب التّراجم، حيثُ قالَ بكر:

قـُــــل لابن ملجم والأقدار غالبةٌ           هدمتَ _ ويلكَ _ للإسلام أركانا

قتلتَ أفضلَ مَن يمشي على قدمٍ      وأوّلَ النّاسِ إسلاماً وإيمانا

وأعلمَ النّاسِ بالقرآنِ  ثمّ بما               سنّ الرّسولُ لنا شرعاً  وتِبيانا

صهرُ النبيّ ومولاهُ وناصرهُ                أضحت مناقبهُ نوراً وبرهانا

ثمّ ينتقل إلى هجاء ابن ملجم قاتل علي بن أبي طالب رضيَ الله عنه فيقول:

ذكرتُ قاتلهُ والدّمعُ منحدرٌ             فقلتُ سبحانَ ربّ الناسِ سُبحانا

إنّي لأحسبهُ ما كانَ من بشرٍ           يخشى المَعادَ ولكن كانَ شيطانا

أشقى مراد إذا عدّت قبائلها          وأخسر النّاس عندَ الله ميزانا

ويجمعُ الشّاعر في قصيدته جمعاً بارعاً بينَ مهجوّوين، أي ابن ملجم وعُمران بن حطّان

فيقول:

فلا عَفا اللّه عنه ما تحمّلهُ                    ولا سقى قبرَ عُمران بن حَطّانا

لقولهِ في شقيٍّ ظلّ مُجترما”             ونالَ ما نالهُ ظلماً وعدوانا

(( يا ضربةً من تقيٍّ ما أرادَ بها          إلاّ ليبلغَ من ذي العرشِ رضوانا))

اعتمدَ بكر في هذهِ القصيدة على أسلوب النّقائض، والهِجاء هُنا دينيٌّ  بَحت

فهوَ يقومُ على المَعاني الدينيّة، بدأ بكر بن حمّاد قصيدتهُ بتعداد مناقب الإمام علي رضيَ

الله عنه، ومن ثمَّ ينتقل بكر بن حمّاد التاهرتي إلى هجاء الكافر ابن ملجم، فيستثنيهِ

منَ البَشر ويضمّهُ إلى الشّياطين، ويهجوهُ هجاءً دينياً خالصاً.

ثمَّ يجمعُ في هذا الهجاء بينَ الكافر ابن ملجم وعمران بن حطّان فيدعو على عمران

وسبب ذلكَ أنّهُ كانَ قد مدحَ ابنَ ملجم على فعلتهِ الغادرة واعتبرَ أنَّ ما فِعلهُ هوَ تقرُّب منَ الله سبحانهُ وتعالى.