حرقة أم قصة واقعية حدثت بالفعل :

بعد قصة حب دامت حوالي السنة تزوج ياسر وخديجة، وبعد عدة أشهر حملت خديجة .
كانت أشهر الحمل تمر ثقيلة عليها وذلك لأن ياسر لا يهتم بها أبدا”، فهو دائما”يخرج من المنزل وإن بقي في المنزل فإنه يشغل نفسه بأي شيء ولا يكترث بها أبدا”، لكن خديجة كانت تتحلى بالصبر؛ ولا تفكر في الأمور بسطحية، فكل همها الآن بات’أن تعتني بنفسها من أجل طفلها وأن تحضر له ما يلزمه من ملابس و غيرها .
مضت الشهور التسعة، وحان’موعد الولادة؛ ولما علم’ياسر بذلك قال’ لها أنا سأخرج إلى العمل . استغربت خديجة منه وقالت له وهي تحملق بملامحه بانزعاج :ألست’قلقا”علي’ وعلى ابنك ؟!

حرقة أم قصة واقعية حدثت بالفعل :

فأجابها :بلى ولكن لا أستطيع أن أراك تتألمين، وليس بقدوري التماسك في مواقف كهذه .
تقبلت الأمر بألم ….
ذهبت إلى المشفى مع والدة زوجها (حماتها ) عانت كثيرا”من آلام المخاض وكان لحالتها النفسية المتعبة بسبب إهمال زوجها لها طوال فترة الحمل الأثر الأكبر في زيادة آلامها، بعد عناء استمر أكثر من تسع ساعات، وضعت خديجة مولودها الأول، كان جميل الخلقة يشبهها كثيرا”؛
راحت تعتني به بكل حب و حنان، كان ياسر يحب ابنه حب فوقي إن’ صح التعبير أي أنه كان يقبله قبلة بسيطة سطحية ولا يلاعبه ولا يعلمه شيئا”.
خديجة أخذت دور الأم والأب تقريبا”، رغم أن قلبها كان يعتصر من الألم على حالها؛ لقد فكرت كثيرا”بنمط شخصية زوجها غريب الأطوار،

طفلهما كان يكبر، وبدا ذكاؤه واضحا”مما أسعد قلب أمه الحزين….
ياسر بدأ يزيد في إهماله لزوجته، وخصوصا”بعد أن ازداد وزنها قليلا” بسبب الحمل والإنجاب .
في أحد الأيام حضرت خديجة القهوة لزوجها صباحا”وقررت في نفسها أنها ستحاول التقرب منه، ولكن خاب أملها ففي ذاك اليوم رفض زوجها شرب القهوة معها بحجة أنه يريد الذهاب للعمل، حزنت كثيرا”.
غادر ياسر البيت .

حرقة أم قصة واقعية حدثت بالفعل :
عاودت خديجة صب’ الفناجين في دلة القهوة ووضعتها على النار لتسخنها مرة أخرى وتشرب قهوتها …..
دخلت إلى غرفة النوم، وجلست قبالة المرآة تندب حظها العاثر؛ وتنظر إلى وجهها متسائلة”ألهذا الحد لم يعد جمالي مقبولا”حتى يهملني زوجي ؟!
يا لخيبتي …..
فكرت مليا” بأن’ الزواج مسؤولية وأعباء وإذا لم يتشارك الزوجان في إسعاد بعضهما وتخفيف الأعباء والإرهاق ومواساة كل منهما للآخر فإن’ حياتهما ستتحول إلى جحيم حقيقي؛ وستكون عبارة عن تراكم هموم وضغوط لدرجة لا تطاق….
لم يعدها من دهاليز أفكارها سوى صرخة ابنها !!

هرعت إليه حيث كان مصدر صوته من المطبخ، لقد كان يتألم ويصرخ بشدة .

يا لمصيبتها لقد انسكبت القهوة على صدره وسالت إلى أن وصلت إلى أسفل بطنه، أحمد ذو السنتين تعرض للحرق !
حملته أمه وأسرعت به إلى المشفى بعد أن قامت بلفه بغطاء خفيف، كان يصرخ ألما، مناديا” ( أمي ) مرات ومرات، وفي كل مرة كان قلبها يعتصر ألما”،

اتجهت به إلى المشفى، وهناك كان قلبها يتقلب على نيران الألم والندم، توقف الزمن عند هذه اللحظة دهرا”.
دخل غرفة العناية المشددة تم تعقيم جروحه وإعطاءه الإبر المسكنة، والأدوية المضادة للالتهاب كان قلبها يبكي بمرارة،
لم تكن تملك النقود؛ خلعت أقراطها وباعتهم لتحصل على ثمن الدواء، عادت إلى البيت لتتلقى الملامات، وتتحمل أصابع الاتهام المشارة نحوها ووصفها بأنها أم مستهترة .
في خضم ما يدور حولها؛ دار في خلدها : (آه يا قلبي المكسور ماذا أخبرهم كيف أدافع عن نفسي …..كان الصوت قويا” في داخلها صرخت في أعماق أعماقها دون أن تنطق بكلمة : ( لقد كان ياسر سبب كل هذا، نعم هو الفاعل، إهماله هو السبب .. )
في ذاك اليوم كان الموت أهون على خديجة من سيل اللوم الذي لم يرحمها رغم مصابها ….انطوت الأيام ثقيلة عليها وعلى ابنها وبدأت حروقه تتحسن ببطء شديد، سيطرت على رأسها فكرة جوهرية وهي أن الأم المثالية هي التي يكون أبناؤها من أهم أولياتها في الحياة؛ فهم أهم من حبها الضائع، ومن زوجها اللامبالي، وأهم من المعناة والفقر……

شفي جزء كبير من الحروق التي كانت تغطي قسما”كبيرا”من جسد الطفل، ولكن ظلت ندبة في وسط صدره لم ولن تزول وكلما رأت خديجة هذه الندبة اشتعلت نيران قلبها ندما”وقهرا”…..
ندما”بسبب إهمالها، وقهرا”على مأساتها، ولكنها

تعلمت درسا”قاسيا”جدا”وهو أن مشاعر الأمومة يجب أن تفوق كل الأحاسيس؛ وهكذا ستحمي كل أم أبناءها من أي أذى أو مكروه ……..

عائشة أحمد البراقي