دخل إلى بيته مسرعا”وقال :هيا يا أم’خليل اجمعي الملابس من على الحبل وأدخليها فعلينا مغادرة البيت لمدة يومين أو ثلاثة أيام ، فلقد سمعت بأن’الاشتباكات ستكون عنيفة في الأيام المقبلة ..
أجابته :ولكن’ الغسيل ما زال مبتلا”لذا سأتركه حتى نعود ….
غادرت العائلة البيت متجهة” إلى منزل أحد أقاربهم
وبقوا عندهم  ثلاثة أيام  ، قضوا أغلبها بالاستماع إلى نشرات الأخبار ، ردد أبو خليل : ما من أخبار مطمئنة …
أجابت أم خليل وهي تفرك يديها بقلق :أخشى على الملابس المنشورة على الحبل أن يتغير لونها من الشمس وأردفت قائلة”:وخل التفاح كان علي رفع الغطاء عنه ، وكذلك كان علي’أن أضيف زيت الزيتون فوق المكدوس كي لا يتعفن ……
نظر’أبو خليل إليها بعيون ذاهلة وبدا كما لو أنه لم يسمع أي كلمة مما قالته .
بعد مضي اليوم الرابع بدأ أقاربهم يخبؤون عبثا”استياءهم من وجود زوارهم …
شعر أبو خليل بذلك فطلب من زوجته أن تتحضر للمغادرة إلى الفندق .
أمضت العائلة هناك يومين فقط وذلك بسبب ارتفاع الأجور .
وبعدها قرروا استئجار بيت صغير إلى حين عودتهم إلى منزلهم .
بعد مضي عدة أسابيع اندلعت حرب مسعورة لا ترحم بشرا”ولاحجر أجبرت الكثيرين على مغادرة البلاد .
توجهت العائلة إلى بلد مجاور يفتح أبوابه للمكلومين دائما”
استأجروا بيتا”وبدؤوا حياتهم من جديد
مضت سنة نسيت خلالها أم خليل أمر المؤونة والتفاصيل البسيطة في بيتها الذي غادرته فقد أصبح همها هو البيت بحد ذاته .
وانقضت  سنة أخرى فتعدى الهم البيت إلى هم الوطن ….
كان أبو خليل يجلس لساعات يرسم لوحة وكان صمته رهيبا”
يتخلله دموع تجري على تجاعيد خدوده بغزارة ثم تتوقف فجأة بصبر مرير .
أنهى أبو خليل رسم اللوحة لقد رسم القدس وفي أسفلها خط جملة” مدادها آلام الروح وزفرات الفراق :(لا تنسوا فلسطين )
لقد جاوز أبو خليل الثمانين من عمره ، لقد كبر وهرم’ كثيرا”
ولكن جمالا”ساحرا”كان يفيض من عينيه ، إنه بريق أمل العودة الذي لن يتنازل عنه مهما طال الرحيل .

أ.عائشة أحمد البراقي