مذكرات جندي عاشق :

الشهر القادم سيكون موعد زفافي؛ حضرت كل ما أعانني الله على تحضيره .
بعد أيام سيصبح الحلم حقيقة، ستكونين لي الزوجة والرفيقة والعشيقة، بدفء الكون سأغمرك، ومن مشقات الحياة سأدرؤك، صباحي سيصبح ورديا” بقربك، وتحت ظل الياسمين سأحتسي قهوتي معك .
ليت’ عقارب الساعة تسرع، وأوراق التقويم تتساقط دون أن ترهقني بالانتظار .
سأراقصك وأطير بك إلى مدينة الأحلام، سأحكي لك كل مساء حكاياتي وذكرياتي، وعلى حضنك سأغفو لألملم ما تبعثر من ذاتي .
متعب أنا مشتاق يا حبيبتي، الحياة قاسية؛ فلكي أوفر’ أبسط المتطلبات أهرقت جل’ جهدي وأوقاتي .
أريدك الملاذ والعوض’ والمسكن والسكينة،
أود منك الغفران إن قصرت يوما”، والمسامحة إن أسأت .
هلم’ يا يومي المبارك فالروح مني تهاوت، وما عادت
تملك في جعبتها ما يكفي لآلام جديدة بلا مناصر .

البارحة قرع’ جرس الباب خلتها خطيبتي أتت لتراني لأن’ الشوق أضناها، فنهضت ملهوفا” لأتبارك بمحياها ….
شخص غريب على الباب إنه شرطي أحضر’ مذكرة
مفادها بأنه علي’ الالتحاق بالخدمة العسكرية ( الاحتياط )خلال أسبوعين .
تلقيت الخبر بتجلد، لكن’ قلبي بين ضلوعي اضطرب نبضه، أعلم بأنني أتوه الآن بين’حبيبين
وعن قدر الحب لهما لن أتكلم فالحب إن وصف’ ما أنصف’ .
بات همي الأكبر الآن كيف’ سأخبر محبوبتي بأن يا عروس أجلي أفراحك خبئيها في حنايا قلبك الرقيق، هدئي من شوقك، ابحثي عما يشغلك، ريثما يشاء الله لنا باللقاء .
حبيبتي تعالي مهمة صعبة علي’ القيام بها، وأنا أختنق بكلامي قلت لها :
إنها أقدار، قسمة ونصيب وللقاء الأحباب أوقات عند الله مكتوبة لا نستطيع تأجيلها ولا تعجيلها .
اتسعت حدقتاها، وسالت شلالات دموعها
وقالت بصوت مثقل بالتوسل والرجاء لماذا تقول ذلك؟
الآن جئت تحكي عن الأقدار !

ما الذي غير رأيك بي لتتخلى عني ؟
أمسكت بيديها المرتجفتين وحدقت بعينيها وأسرعت بالشرح لأنها فهمت من كلامي أنني سأتخلى عنها .
أنت لقلبي سر أفراحه، ولروحي الملجأ من وحشة العمر فكيف أتخلى !!
ولكن’ الحبيب الأكبر ناداني وعلي’ أن ألبي ولي
إن شاءالله عودة” لن أفارقك بعدها حتى تفارقني الروح .
صمتت مطولا” ثم’ انفجرت بالبكاء مجددا”، أمضينا ليلتنا بين بكاء ومواساة إلى أن أطل علينا صبح جديد بكل ما فيه، بدأت بتجهيزات الالتحاق، وحبيبتي تستحضر الصبر لتشد به أزر قلبها طيلة فترة الانتظار .
يظن الناس أن الرجال قساة قلوب، يتحملون ويتجملون بالصبر دون عناء، ولكنها رباطة الجأش
وهبهم الله إياها كما وهبهم اللحى و قوة العضلات وكثافة الشاربين، وقهر الرجال لا يشبهه قهر .

بهمة الرجال سأحمل سلاحي وأذود عن حماك يا وطني ، وبقلب عاشق موله سأعود إليك ياحبيبتي لأعوضك وأسعدك .

من مذكرات جندي عاشق عائشةأحمد البراقي

جميع الحقوق محفوظة لموقع علمني