يا ولدي ثكلت بك مرتين:

ولدي يا قطعة من روحي
يا سويداء قلبي،
منذ أن كنت داخل أحشائي وأنا أقرأ عليك المعوذات وأتخيل جمال طلَّتك.
وبعد التّسعة أوهان المضنية ولدت يا كبدَ الرُّوح.
كانَ لوجهكَ طلَّة قمرٍ في ليلة بدر، ورائحتك كرائحةِ النَّدى عندما يتعشق زهر النارنج والياسمين.
عددْتُ العشرينَ فكانت سليمةً بلا زيادةٍ ولا نقصان.
رأيتُ عيونك تتحرك معَ حركةِ إصبعي فارتاح بالي بأنك مبصر……..
مضت سنتان من عمرك و البَّهجة تغمرُ أيَّامي و سعادتي تضاهي سعادةَ الكَّون بأسره.
ولكنْ حدثَ ما لم يكن في الحسبان!

فلقد حاولتَ الوقوفَ مراراً و لم تتمكن من ذلك، كان الأمر يبدو بالنسبةِ لكَ كأصعبِ مهمةٍ تُلقى على عاتقِ إنسان، رغم أنَّ الجَّميع يؤدّيها بشكل بديهي دونَ تفكيرٍ حتى …
ومن وقتها غدوتَ شغليَ الشَّاغل، لا أرى أمامي إلا صورتَكَ، ولا أفكرُ إلاَّ بكَ
زياراتي انعدمت! ……….. لا زيارات
لا أريدُ أحداً.
باتت أحلامي منسوجة على شكلكَ وأنتَ تمشي؛ يا ليتكَ تمشي
غدوتَ ألمي الكَبير وجرحيَ النَّازف الذي لا يندمل، لا همومَ أخرى تعتريني لأنَّ همَّك كانَ أكبرَها، أدفعُ عمري لتُشفى .
كبرتَ ودرستَ حتى دخلتَ الجَّامعة وصِرت مهندساً بعقلٍ متَّقد، ووجهٍ بهيّ الطلَّةِ،
وقدمين مريضتين وعكَّازين تتكئ عليهما أينما ذهبت.
كانَ وقع عكازاتكَ يحفِرُ قلبي فيدميه.
وانطوائيَّتك وحزنك على وضعك ينتشل الرُّوح من مكانها ….
كيفَ أستطيع أنا التي أنجبتكَ أن أمسحَ عنكَ حُزناً متأصّلاً وعميقاً كهذا؟!
رأفةً بنا ياالله!
كلُّ أيامِك كانت هادئةً لادهشةَ، ولا انفعال، حتى عندما كانت تمطرُ قذائفاً كانَ الجَّميعُ يختبؤونَ بسرعةِ البَّرق أمَّا أنتَ فكنتَ تتكئ على عكازيكَ وتمضي في طريقِ عودتكَ إلى البيت دونَ مبالاة!

وكأنَّ لسانَ حالك يقول قد تصيبني فأموت، وقد تحيدُ عنّي فأنجو.
كانَ الأمر بالنّسبة لكَ بهذهِ البساطة يا فلذَّةَ الفؤاد.
وفي كلّ المرّات كانتْ تحيدُ عنكَ إلاَّ يومها كانَ مطرُ القذائفِ غزيراً، واحتمالات الإصابةِ أكبرَ منَ المعتاد.

رحتَ تسيرُ بنفسِ الثَّبات، ونفس اللامبالاة، وجاءَ قدركَ على شكلِ شظيَّة أصابت منكَ الرَّأسَ فأردتك شهيداً، وأردتني ثكلى.
وهاهيَ أيَّامي تمرُّ والشُّوق للقياك ثانية يفتكُ بي .
ولدي لقد ثكلت روحي بكَ مرَّتين……..
مرةً عندما حملوكَ إليَّ شهيداً، ومرةً عندما لم تستطع المسير.

لقلبها المفجوع السلام.

عائشةأحمدالبراقي

جميع الحقوق محفوظة لموقع علمني