عندما تدرك الحياة ( خاطرة ):

استيقظ عند الثانية ظهرا، فاته ركب العمل
و صوت العصافير وهدوء الصباح،
شعر بحيرة الوسطية تداهم أعصابه، فلا هو عامل ولا عاطل عن العمل، ليس سيّئاًوليس جيدا، لاحيّاً ولا ميتاً…..
نهضَ بتثاقل حضَّر قهوته وأشعل سيجارة
وراح يدخن بنهم وينفخ الدخان أمام وجهه
وهو يرمق سيجارته، ويبوح لها: (لو أنني وجدت فتاةً تحترق شوقاً من أجلي لما احتجتك، ولو عشقتني إحداهن’ حدَّ الثّمالة لما تجرَّعت كؤوس الخمر حتى الثَّمالة).
خرج صوت متهدج من فمه يقول: نعم أريد أن أَعشق وأُعشَق ….
لماذا كلَّما أحببت فتاةً تتخلى عنّي بِسُرعة كما لو أنّها تخلع معطفاً وتركنه جانباً.
لماذا كلَّما نظرتُ في عينَي من أُحب بلهفةٍ لا أجدُ فيهما شغفاً، مامِن أحد يفكّر بي ولا يوجد من يوقِظني أو يطمئن عليّ؛ حتى وإن اتصل نومي بموت فلنْ يلحظَ ذلكَ أحد!!
ثقيلةٌ هي ساعات يومه، رديئة خلالها المشاعر.
خرج من بيته متوجّهاً إلى مكانِ عمله دونَ قلَق
رغم أنَّه قد يُطرد في أية لحظة لشدّة استهتاره.
صادَف امرأةً تسيرُ مع طفلها تُحاوره وتُمازحه، فرفرف طائرٌ غريبٌ في قلبه، يحوم حول خيبته
ويسأله: لو أنَّ لكَ زوجةً وطِفلاً لاختلفت نغمة موسيقى حياتك من الرَّتم الهادِئ المُمل إلى ضجيج فيه شَقاوة وفَرح.
وفجأةً غيَّرَ وجهته، لن يذهب إلى العمل اليوم…..
قرّرَ بأنَّ يومه هذا سيكون استثنائياً،
انطلقَ إلى قرب النَّهر، أصغى إلى صوتِ المياه خالها تقول له أنا لأجلك أندفع وأترقرق، ومالت الوُرود و خالها من حضوره خجلت، فركَ ورقةَ الليمون بيده واستنشقَ رائحة عِطرها فاستيقظت الحياة الغافية في قلبه، لمَعت فرحة استيقاظها حتى وصلت عينيه .
عطر الورد وسحر الماء وطراوة العُشب تحت َ قدميه؛ كلّ هذا اجتمعت بهجته فأشرق وجهه.
راحَ يسيرُ في طرقات الحيّ بحلةٍ جديدةٍ وقلبٍ تعلَّم عزفاً جديداً ونشأَ في قلبه طفلٌ صغير اسمه (أمل).
ومن يومها أضحى يستيقظ باكراً، ويعمل بجدٍ، وبريق عينيه يلفِت أنظارَ الفتَياتِ مِن حوله،
إلى أن عثَر على حبِّ عُمره؛ فتاة جميلة، رقيقة
فيها كل ما كان يفتقده وكل ما كانت تتوق إليه نفسه.

عائشةأحمدالبراقي

جميع الحقوق محفوظة لموقع علمني