أمومة ( خاطرة ):

كانت تضع طفلها في مهده بعد أن ترضعه وينام باطمئنان، تغطيه برفق وتذهب لتنظف المنزل، كانت تفاصيل بيتها غير مريحة؛ فطلاء الجدران كان قديماً، والغرف صغيرة، والتهوية رديئة، رائحة الرطوبة خانقة ثقيلة على الرئتين .

لكنَّ وجود طفلها في حياتها كان أوكسجينها، وفسحة سعادتها، والأمل القادم الذي تَعِدُ نفسها به.
لم تتوقف يوماً عن تمني السعادة والأيام الجميلة له.
وفي صلاتها كانت تكثر منَ الدُّعاء له بتضرع.
لم تأبه للضوضاء والغوغاء المحيطة بها من كل حدب وصوب، شعرت بالمسؤوليَّة المحتَّمة تجاهه إلى أن صارت لا تشعرُ ببؤس الأوضاع والمكان من حولها مادام طِفلها بخير.
بدأَ يكبر ويتذمَّر منَ الوضع السيّء فراحَت تعلّمه الصَّبر والدُّعاء، وأنَّ الحياةَ زائلة، وأنَّ هناكَ ما هوَ أسمى منَ الرَّفاهيَّة.
أخبرتْه يوماً بسرٍ جميل وهوَ (أنَّ الله يحسِبُ لنا صبرنا وعندما نحقق العدد المطلوبَ منْ ساعاتِ الصَّبر يتحقق حُلمنا )
فرحَ كثيراً منذ أن أخبرَته بهذا السر فتضاعفَت قدرته على التَّحمّل .
قالت له أيضاً بأنَّ الصَّلاة و الدَّعاء هُما كنزُ الفُقراء فأكثِرْ منهما ما استطعتْ، ومِن يومها باتا من أولويَّات حياته، ومعَ مرور السّنين بدأَ يشعرُ بجنةٍ داخليَّةٍ وسكينةٍ ليسَ لها مثيلْ.
علَّمَته ما يُنجيه من جَحيم الأفكار والتَّذمر، حيثُ أنَّها دائماً ما كانت تكرّرُ على مسامِعه عبارة: (حاوِل أن تتعلَّم كل ما تَستطيع تعلُّمه، لا تجعل حياتك عبثيَّة ، أُترك بصمةً قوية في عالمِك قبل أن ترحل… )

أمومة صنعت رجلا

وبالفعل أصبحَ رجلاً تقيَّاً متعلّماً ينشرُ الخَّيرَ والحبَّ والفرَح أينَما ذهب، لقد أصبحَ أُمَّةً بفضل أمّه.

عائشة أحمدالبراقي

جميع الحقوق محفوظة لموقع علمني