معاناة العلماء من الاضطهاد والتعذيب باسم الدين

العلماء المجدّدون ……. رجال الله وأولياؤه كانوا أوّل من عانى الاضطهاد والتّعذيب باسم الدّين عبرَ القرون .

وقفَ إبليس ذاتَ يوم وهوَ يُعلنُ متجبّراً في حضرة الله عزَّ وجل:

(( لأقعدنَّ لهم صراطكَ المستقيم )) الأعراف 17

وهوَ يقصدُ أنَّهُ سيجعلُ من حبائله صراطاً مستقيماً لعباد الله تعالى فيجعلهم يظنُّونَ وهم يطبّقونَ أحكامَ الشّيطان الرّجيم إنّما هم يسيرونَ على الصّراط المُستقيم!

ولقد دأبَ إبليس على هذا العزم ورأى أنَّ خيرَ رداءٍ يتنكّر بهِ لتنفيذ مخططه القديم هوَ التزيّي بزيّ الكهنوت ورجال الدّين الغيّورين على مصلحة الدّين وأهلهِ، وبذلكَ يُقنعُ النَّاس أنَّهُ في كلّ منطلقاتهِ إنّما يعملُ باسمِ الدّينِ ولصالحهِ.

ولقد نجحَ مخطّط إبليس هذا عبرَ القرون الطويلة، وقد تبدّى نجاحهُ فيما استطاعَ أن يشنّ من حملات الاضطهاد والتّعذيب والقتل باسم الدّين على يد من استطاعَ أن يخدعهم بتقواهُ وبأنّهُ ينطقُ باسم الدّين، ويُنفّذُ أحكامهُ باسمهِ أيضاً.

وتصدّى هؤلاء الناطقون باسم الدّين لرجال الدّين وتهجَّموا على المؤمنين منَ العُلماء والفُقهاء وأساطين العلم والمعرفة، وهيّؤوا لائحة منَ الاتهامات الجَّاهزة يبررونَ بها أحكامهم واضطهاداتهم.

وصاروا يُطلقونَ على ضحاياهم شتّى أنواع التّهم: كالكفر، والارتداد، والمروق منَ الدّين، والزَّندقة، والتجديف، والخروج، والإلحاد، والتّعطيل، والابتداع، والفسوق والعصيان، والهرطقة وغيرها.

ومما يؤسَف لهُ أنَّ كثيراَ منَ عامّة النَّاس قد انخدعوا واعتقدوا أنَّها أحكاماً دينيَّة في حين أنّ الدّين منها براء.

وفيما يلي خلاصة مختصرة جداً لبعض ملامح الاضطهاد والتَّعذيب وحتى القتل باسم الدّين التي سجَّلها تاريخ القرون الماضية ونقلها إلينا المؤرخون:

في القرن الأوّل:

كانت هناكَ فئة كهنوتيَّة في طور النّشوء، وكانَ لها أتباع أخضعوا لفكرها وممارساتها

اتّهمت هذه الفئة الخليفة الثّالث عثمان، والخليفة الرّابع علي، والإمام الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم أجمعين، اتّهمتهم بالرّدّة والكفر، ثمَّ عملت على اغتيالهم.

وعندما أوشكَ هؤلاء على اغتيال الخليفة الرّاشد الثَّالث عثمان بن عفّان رضيّ الله عنهُ قالَ لقتلتهِ: (( لو قتلتموني اليومَ فتذكَّروا أنَّ المُسلمين لن يتّحدوا بعدها في صلاتهم ولا في جهادهم ضدَّ أعدائهم حتى آخر الأيَّام )) .

وإنَّ الملاحظة الصَّادقة لحقائق التاريخ والأيَّام تُبيّنُ بكل وضوح أنَّ هذهِ اللعنة لا تزالُ تُلاحقُ المُسلمين، فقد كثُرَت على مدى التَّاريخ الطَّوائف والفِرَق التي يُكفّرُ بعضها بعضاً بغير حق، وازدادت الحال سوءًا قرناً بعدَ قرن.

القرن الثاني الهجري:

وصمَ الخاطئون منَ النّاطقين باسم الدّين الجنيد ومحمد الفقيه والإمام مالك بن أنس، والإمام الشّافعي بالكفر والارتداد، ومن المعروف أنّ جميع هؤلاء رحمهم الله تعالى هم رجال الله من أهل التقوى والعلم والورع.

الإمام أبو حنيفة النّعمان الغني عن التّعريف، فهوَ مؤسس مدرسة الفقه الحنفي التي يقوم على أساسها وإلى اليوم المذهب الحنفي الذي هو أحد المذاهب الإسلاميّة الكُبرى.

إنَّ هذا الإمام قد رُميَ أيضاً في زمانه بالكُفر والارتداد فاعتقلوه وحبسوهُ وعذَّبوه وسمَّموه وماتَ في سجوده في السّجن، وبعدَ أن ماتَ، حفروا قبرهُ ونبشوا جثَّتهُ وأحرقوها، ودفنوا كلباً في قبره، وجعلوهُ مرحاضاً في بغداد.

وأعلنَ الكهنوت الجاهل أنَّ كلّ الأحناف كفّار وخارجونَ عن ملَّة الإسلام.

وماذا عن

القرن الثّالث الهجري:

رُميَ الإمام البُخاري صاحب كتاب صحيح البُخاري بالكُفر وشهدَ على كفرهِ ثلاثة آلاف منَ العُلماء الجَهَلة، ونفوهُ من بخارى إلى خارتانج، وحتى هنالكَ أيضاً لم يدَعوهُ في سلام، ويُذكرُ أنّهُ، في كربهِ الشَّديد دعا الله تعالى فأراحهُ بالموت العاجل.

وعالم عظيمٌ آخر، وهوَ الإمام أحمد بن حنبل، يروي التَّاريخ عنهُ أنَّ خُصومهُ في الدّين سجنوه، وقيَّدوه بالسّلاسل الثّقيلة وأكرهوه على السير في الأصفاد وهوَ يجرُّ قيودهُ من طرسوس إلى بغداد، وتحتَ لفح الشَّمس المحرقة ضربوهُ بالسّياط وهوَ صائم في رمضان وفي العشر الأواخر منَ الشَّهر.

وقد لاقى رحمهُ الله كل هذه القسوة والوحشيّة، بسبب أنّهُ أبى القول بأنّ القرآن مخلوق كسائر المخلوقات.

ويُرتوى أنّهُ ما زالَ يرفض هذا القّول تحتَ كلّ ضربة سوط تقعُ على ظهرهِ حتّى وقعَ مغشيّا عليهِ تحتَ التّعذيب.

وأمّا علماء الصّوفيّة؛ ذو النّون، وسهل التستري، وأحمد بنُ يحيى، وأبو سعيد الخزار، وابنُ الحنان، وأبو العبّاس بنُ عطا، وأبو المحسن النّوري، والإمام النّسائي …..

فقد اتُّهموا جميعًا بالكفر والارتداد أو الفُسوق أو التّشجيع على الإلحاد أو ما شابه ذلك منَ التُّهم الدينيّة، ثمَّ حبسوهم وغلّلوهم وعذَّبوهم ونصحوا الملك بإعدامهم حتى لا يشيعوا الكُّفر في الأرض.

وعندما أوقفوهم أمام السَّيف لقطع الرُّؤوس، بادرَ النّوري قائلًا: أنا أؤمنُ بتضحيةِ النَّفس وخدمة بني الإنسان، لذلكَ فإنني ألتمسُ منَ الملك أن يضربَ عُنقي أوَّلًا كي ينالَ رفاقي لحظات أطول من هذهِ الدُّنيا لا تُعيدها ألفَ سنة منَ الآخرة.

عندئذٍ أوقفَ الملك تنفيذ الإعدام، وأمرَ القاضي أن يُعيدَ النَّظر في قضاياهم ويرفعَ الأمر إليه.

وجاءَ تقرير القاضي بعدَ الدّراسة في صالح هؤلاء العلماء فقال: إنَّ هؤلاء الحكماء الأجلّاء هم أصدقُ إيمانًا بتوحيد الله من أيّ واحد عرفته، فأطلقَ الملك سراحهم معَ الكثير منَ الاعتذار والتَّشريف.

القرن الخامس:

ولم ينجُ حجّة الإسلام الإمام الغزالي الواسع الشّهرة منَ الاضطهاد باسمِ الدّين أيضاً، فقد وصفهُ ( العلماء ) بأنّهُ ملحد مفكر حر، مرتد، وأنّ كتبهِ مخالفةً للسَّلف وأنّها غير إسلاميَّة.

ولذلكَ فقد أمروا بحرق كتبهِ، ونهوا المسلمين عن قراءتها، وأمروا بقطع أعناق مريديه إن ظهرَ لهُ مريدون.

ومنَ المعلوم جيّداً لدى المُسلمين أنَّ كتب الإمام الغزالي رحمهُ الله
أصبحت بعدَ قرون أكثر الكتب رواجاً في عالم الإسلام والمسيحيَّة.

وكذلكَ فإنَّ الإمام ابنُ حزم العلاّمة الكبير الذي تستندُ كتاباتهُ وأدلّتهُ إلى القرآن الكريم والحديث النبوي الشَّريف هوَ أيضاً عانى منَ الاضطهاد على أيدي (علماء ) زمانه الذّينَ كشفَ أخطاءهم وبيَّنها فتألَّبوا عليهِ حتّى نُفيَ ليموتَ في ( لا بالا ) في إسبانيا.

القرن السّادس الهجري:

كانَ حضرة الشَّيخ عبد القادر الجيلاني من علماء الشَّريعة الإسلاميّة الواسعي الشُّهرة، وصارَ في زمانهِ سلطان الصُّوفيّة، وامتدَّ أثرهُ الرُّوحي زهاءَ ثمانمئة عام وإلى وقتنا هذا.

اتَّهمهُ بالخّروج والارتداد الشَّيخ ( العالم ) أبوالفرج عبد الرّحمن الجَّوزي، وساندتهُ فئتان منَ المؤيّدين لهُ في اضطهادهِ وإيذائهِ لهذا العالم العارف الجَّليل.

وأيضًا الصُّوفي الأندلسي العظيم، الشَّيخ محي الدّين بن عربي الذي كانَ يدعو الله قائلًا:

(( اللهمَّ أدخلني في مُحيطِ أحديتكَ اللانهائي ))

وهي العبارة التي افتتحَ بها مارتن لانجز كتابهُ (( ما هي الصّوفيّة )) .

إنَّ هذا العارف الذي لُقبَ ب (( سُلطان العارفين )) لِما حوَتهُ كتبهُ الشَّهيرة منَ العلوم والمعارف الإلهيّة حولَ القرآن الكريم والحديث، هوَ أيضًا تعرضَ للإهانات والتكفير حيث أعلنَ رجال دين عصره أنَّهُ كافر فاسق مرتد بل أطلقوا عليهِ اسم (( المرتد الأعظم )).

ومنَ المعلوم أنّهُ هو ذات العالم الفاضل الذي يزورُ ضريحهُ في دمشق مئات النَّاس منَ المُسلمين اليوم ويتبرَّكونَ به.

والصّوفي الشَّهير المدعو بشيخ الإشراق شهاب الدين السهروردي اتَّهموهُ أيضًا بالكُّفر والارتداد وسجنوهُ ثمَّ خنقوهُ حتَّى الموت.

وكذلكَ تعرَّضَ الصّوفيان المشهوران فريد الدّين العطَّار وشهيب حسن المغربي للاضطهاد الشَّديد على أيدي علماء زمانهما في ذلكَ القرن.

القرن السَّابع الهجري:

كانَ الشَّيخ أبو حسن الشَّاذلي والشَّيخ عزيز بن عبد السَّلام من أقطاب الصّوفيّة وكُتَّابها المعروفين، ولقد رماهما ( علماء ) ذلكَ القرن بالتَّجديفِ مما يعني الارتداد.

ونظام الدّين سلطان الأولياء المشهورين في الهند والمدفون في دلهي، شجبهُ علماء زمانهِ لسماعهِ الموسيقى، ولكنَّ ذلكَ لم يكن كافيًا لدى المُفتي الحنفي المذهب الذي أصرَّ على دليل يُثبتُ أنَّ الإمام أبا حنيفة استمعَ إلى الموسيقى!!!

وكذلكَ لاقى الإمام ابن تيميَّة، العالم الجليل الكثير منَ الاضطهاد، فلقد سُجنَ في مصر زمنًا طويلًا وعُذّبَ حتى ماتَ في السّجن.

وقُبيلَ وفاتهِ بساعات جاءهُ وزيرُ دمشق يستسمحهُ لأنَّهُ أوَّل من تهجَّمَ عليه.

فقالَ الإمام الموشك على الموت: (( إنّي أصفحُ عنكَ وعن كلّ من عارضوني، لأنَّهم لم يعرفوا أنّني كنتُ على حق، وكذلكَ أصفحَ عن الملك النَّاصر الذي أمرَ بسجني لأنَّ مستشاريه لم يعرفوا الحقيقة )).

وشمس التبريزي الذي كانَ وليّاً كريمًا في عصرهِ، وكانَ معلّمًا لعدد ممن صاروا بعدَ ذلكَ أولياء.

سلخوا جلدهُ حيًَّا لأنَّهُ قالَ بأنَّ التَّغنّي بالتَّسابيح ليسَ حرامًا.

وجلال الدّين الرّومي الدرويش ذو الشُّهرة الواسعة، ومؤسّسُ الطَّريقة المولويَّة وصاحب

(( المثنوي )) المعروف ( فن الشّعر في الأدب الفارسي ) هوَ أيضاً نالَ حظَّهُ منَ التَّكفير وكل من اتَّبعوه.

القرن الثّامن الهجري:

اتَّهمَ ( العلماء ) هذا القرن شخصيَّتين بارزتين في العالم الإسلامي بالهرطقة،

__الأوَّل: هو الإمام ابن القيّم وذلكَ لأنَّهُ لم يسوّ بينَ زيارة قبر إبراهيم عليهِ السَّلام في حبرون، وزيارة الكَّعبة في مكَّة، وزيارة المسجد النبوي وقبرهُ في المدينة، فسجنوهُ وحقَّروهُ وعذَّبوه.

__ والثَّاني: هوَ الشَّيخ الصُّوفي تاج الدّين السبكي الذي هاجمهُ رجالُ الدّين في عصرهِ واضطهدوه وأعنتوه.

القرن التَّاسع الهجري:

اتُّهمَ بالهرطقة الشَّيخ عبد الرَّحمن جامي الولي المعروف وكذلكَ السيّد محمّد الجونبوري مؤسّسُ الصّوفيّة المهدويّة رموهُ بالكُفرِ والالحاد وكانَ الشَّيخ علائي شيخ الحركة المهديَّة في البنغال حيثُ أعلنَ العلماء وجوبَ عِقابهِ وضرب عنقه.

القرن العاشر الهجري:

استُشهدَ الشَّيخ احمد البيهاري في دِلهي، وهوَ الحكيم الجَّليل……

قتلوهُ بتهمة أنَّ كتاباته تجديفيَّة.

وكذلكَ الصُّوفي الشَّهير بايزيد البسطامي حينَ ذهبَ إلى بيشارو ليدعو إلى اعتقاده قذفوهُ بالخُّروج والفسق.

القرن الحادي عشر:

اعتبرَ الحكيم علي ثاني (وهوَ من علماء الهند المُسلمين) مجدّد هذا القرن، وكانت مهمَّتهُ أن يقوِّم الاعوجاج الذي زحفَ إلى الدّين خلال القَّرن.

وأدّى هذا بهِ إلى الصّراع معَ كهنوت عصره، فاتَّهموهُ بالهرطقة أمام المحكمة الامبراطوريّة في دِلهي، ولقد نجا من عقوبة القتل ولكنَّهم أبقوهُ في السّجن.

وأمّا الصّوفي الأرمني سرمد الذي دخلَ الإسلام، وذهبَ إلى الهند، فقد وقعَ في متاعب معَ المشايخ و( العلماء ) الذينَ حكموا بضرب عنقهِ .

وحينَ تقدّمَ الجَّلّاد نحوهُ شاهرًا سيفهُ، وكانَ ذلكَ أمامَ المسجد الجّامع في دلهي، قرأ هذهِ السّطور من شعره:

(( أيقظتنا ضجَّةٌ من سبات العدم

ففتحنا العيونَ.

وإذا بليلِ المحن لم ينجلِ بعد

فعدنا إلى النَّوم )).

القرن الثّاني عشر:

كانَ الشَّيخ معصوم علي شاه مير صوفيّا من دكا في جنوب الهند، ووقعَ في خلافات دينيَّة شديدة معَ طبقة رجال الدّين الذينَ أقنعوا الملك علي مُراد خان أن هذا الصّوفي فاسق وخارج عن الملَّة، وهكذا اغتالوه وقطعوا آذان وأنوفَ أتباعه وحلقوا لهم لحاهم.

وكانَ شاه ولي الله الدهلوي مجدد القرآن، وقد ترجمَ القرآن الكريم إلى اللغة الفارسيَّة التي كانت آنئذٍ لغة الهند الرَّسميّة.

أغضبت عمليّة ترجمة القرآن رجال الدّين، لأنّهُ لم يجرؤ مُسلمٌ قط على ترجمة كلمة الله منَ اللغة العربيّة إلى أيّة لغة أُخرى.

فتآمروا على قتل المترجم، واستأجروا قتَلَة منَ الأشرار ليُحيطوا بهِ عندَ خروجهِ منَ المسجد

بعدَ صلاة العصر، ولكنَّ الله تعالى نجَّاهُ منَ القتل بأُعجوبة، ولم تتمكَّن العصابة من إيذائهِ، وخرجَ سليماً.

ثمَّ معَ مرور الأيّام خمدَت المُعارضة ضدَّهُ بالتَّدريج، وينظُرُ عالم الإسلام اليوم باحترام كبير إلى العالم الجَّليل ولي الله شاه.

القرن الثّالث عشر:

الفقيه عبد الله الغرنوي عالم إسلامي راسخ، وقعَ في المتاعب معَ أشباه المتعلّمين من شيوخ البلاط الأفغاني فأخرجوهُ إلى المنفى في زمن أحد الأُمراء، ولمَّا عادَ إلى وطنهِ في زمن الأمير التالي أذلُّوهُ وسجنوهُ حتى مات.

والشَّيخ محمّد قاسم النانوتي، تلميذ الشَّاه عبد الغني الدهلوي، مؤسّس معهد ديوباند الشَّهير في الهند للدّراسات الإسلاميّة.

وكانَ قائدًا إسلاميّا محبوبًا، ومناظر شديد الحجَّة والبيان أمام هجمات رجالات الدّيانات الأُخرى أفتى بكفره وردَّتهِ اثنا عشر عالمًا من مكَّة واثنان وثلاثون منَ المدينة، وذلكَ لقولهِ بأنَّ بعث نبي جديد تابع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ودونَ شرع جديد لا يُبطلُ مقام النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم بوصفهِ خاتم النبيين، وكانَ دليلُهُ في ذلكَ بعثة المسيح الموعود الذي ذكرهُ محمد صلى الله عليه وسلّم.

القرن الرّابع عشر:

كانَ منصور الحلاّج أشهر صوفيَّة الوقت، وكانَ في نشوة تأملاّته يجدُ نفسهُ أحيانًا مُستغرقًا في الله فيصيح: أنا الحق . ولمّا كانَ الحلاّج يعيشُ في عصرِ الإسلام الذي جعلهُ علماؤهُ غريبًا متحجّرًا، فإنَّ هؤلاء ( العلماء ) لم يستطيعوا إدراك المعارف الدينيّة والإلهيّة العميقة لدى المتصوّفة، فانقضّوا على الحلاّج واعتقلوه، وسجنوه، وجلدوه، وقطعوا أطرافهُ، ثمَّ صلبوه.

ويُروى أنَّ الحلاّج قبلَ صلبهِ، وقفَ يصلّي وقال:

(( وهؤلاءِ عبيدكَ الذينَ اجتمعوا

متعطّشينَ لقتلي من أجلِ دينك

وابتغاءً لمرضاتك ……

فاغفر لهم يارب…..

وارحمهم……

لأنّكَ لو كشفتَ لهمْ ما كشفتَ لي،

ما فعلوا ما هم فاعلون،

ولو أنّكَ سترتَ عنّي ما سترتَ عنهم،

ما قاسيتُ هذا البلاء.

تباركتَ فيما تفعل،

وتباركتَ فيما تشاء )) .

بهذا الدّعاء المؤمن الصّادق والصَّادر عن قلب رجلٍ رأى الله فآمنَ وصدعَ بما رأى، فأدّى بهِ ذلكَ لأن يُسجنَ ويُجلدَ وتُقطَّع أطرافه ويُصلب.

هذا ما رواهُ لنا التَّاريخ بكلّ دقَّة وصدق وجلاء، وحكى لنا عن مآسي الاضطهاد والقتل والتَّعذيب والتنكيل الذي أوقعهُ بعضُ أدعياء الدّين باسم الدّين، وباسم مشروعيّة الحكم بقتل من يتفكَّر بالدّين ………..