أقبلَ شيخٌ على أحدِ مجالسِ الرّجال وقالَ لهُم: هل شعرتم بموتِ مريم الصنّاع؟

فإنّها كانت من ذوات الاقتصاد، وصاحبة إصلاح، قالوا فحدّثنا عنها، فقال: نوادرها كثيرة

وحديثها ويلٌ، ولكنّي أخبركم عن واحدةٍ فيها كفاية.

فقالوا: وما هيَ؟

قال: زوّجت ابنتها وهي بنت اثني عشرةَ، فحلّتها الذّهبَ والفضّة، وكستها المروى والوشى والقز والخز، وعلّقت المعصفر، ودقّت الطّيب، وعظّمت أمرها في عين الختن، ورفعت من قدرها عند الأحماء.

فقال لها زوجها: أنّى هذا يا مريم؟

فقالت: هو من عند الله، قالَ: دعي عنك الجملة وهاتي التّفسير،

والله ما كنت ذات مالٍ قديماً، ولا ورثته حديثاً، وما أنت بخائنةٍ في نفسكِ، ولا في مال بعلك

إلاّ أن تكوني قد وقعت على كنز، وكيفَ قد وقعت على كنز، وكيفَ دار الأمر، فقد أسقطت عنّي مؤنةً،  وكفيتني هذه النّائبة.

قالت: اعلم أني منذ يوم ولدتها، إلى أن زوّجتها، كنتُ أرفعُ من دقيق كلّ عجنةٍ حفنة، وكنّا كما قد علمتَ نخبزُ في كلّ يومٍ مرّة؛  فإذا اجتمع من ذلك مكوك بعته، قالَ زوجها: ثبّتَ الله رأيك، وأرشَدك، ولقد أسعدَ اللّه من كنت له سكناً، وباركَ لمن جُعلتِ لهُ إلفاً، ولهذا شبهه جاءَ في المثل: “الذَّوْدُ إلى الذَّوْدِ إِبل ”   ____ يُضرب في اجتماع القليل إلى القليل حتى يؤدِّيَ إلى الكثير   (والجمع): أذوَادٌ ___

وإني لأرجو أن يخرج ولدك على عرقك الصّالح، وعلى مذهبك المحمود.

وما فرحي بهذا منك بأشدّ من فرحي بما يثبّت الله بك في عقبي من هذه الطريقة المُرضِية.

فنهضَ القَوم بأجمعهم إلى جنازتها، وصلّوا عليها، ثمّ انكفؤوا إلى زوجها فعزّوه على مصيبته وشاركوه في حٌزنه ……