غزوة بحران وسرية زيد بن حارثة:

1_ غزوة بُحْران:

وهي دوريّة قِتالٍ كبيرة، قوامها ثلائمئة مقاتل، قادها الرّسول صلى الله عليه وسلّم في شهر ربيع الآخر سنة 3ه إلى أرض يُقالُ لها ( بُحْران )__ وهي مَعْدِن بالحِجاز من ناحية الفُرْع __ فأقامَ بها شهرَ ربيع الآخر ثمّ جمادى الأولى __ منَ السّنة الثالثة منَ الهجرة __ ثمّ رجعَ عليه السلام إلى المدينة، ولم يلقَ حربا.

2_ سريّة زيد بن حارثة:

وهي آخر وأنجح دوريّة للقِتال قامَ بها المسلمون قبلَ غزوةِ أُحُد، وقعت في جمادى الآخرة سنة 3ه.

وتفصيلها: أنَّ قُريشاً بقيت بعد بدر يساورها القلق والاضطراب، وجاءَ الصّيف واقتربَ موسم رحيلها إلى الشَّام، فأخذها همّ آخر.

قال صفوان بن أميّة لقريش _ وهو الذي نخبته قريش في هذا العام لقيادة تجارتها إلى الشَّام: إنَّ محمدًا وصحبهُ عوَّروا علينا متجرنا، فما ندري كيفَ نصنعُ بأصحابه، وهم لا يبرحونَ السّاحلَ قد وادعهم ودخلَ عامتهم معهُ، فما ندري أينَ نسلك؟ وإن قُمنا في دارنا أكلنا رؤوسَ أموالنا فلم يكن لها من بقاء، وإنّما حياتنا بمكّة على التّجارة إلى الشَّام في الصّيف، وإلى الحبشة في الشّتاء.

ودارت المناقشة حولَ هذا الموضوع، فقالَ الأسود بن عبد المطلب لصفوان: تنكّب الطّريقَ على السّاحل وخُذ طريقَ العراق __ وهيَ طريق طويلة جدّا ً تخترقُ نجداً إلى الشَّام، وتمرّ في شرقي المدينة على بعد كبير منها، وكانت قريش تجهلُ هذهِ الطريق كلَّ الجهل __ فأشارَ الأسود بن عبد المطّلب على صفوان أن يتّخذَ فُراتَ بن حيّان __ من بني بكر بن وائل __ دليلاً لهُ، ويكونَ رائده في هذهِ الرّحلة.

وخرجت عير قريش يقودها صفوان بن أميّة، آخذةً الطَّريق الجّديدة، إلاّ أنّ أنباءَ هذهِ القافلة وخطّة سيرها طارت إلى المدينة، وذلكَ أنَّ سَليط بن النّعمان __ كانَ قد أسلَمَ __ اجتمعَ في مجلسٍ __ معَ نعيم بن مسعود الأشجعي __ ولم يكن أسلمَ إذ ذاك __ فلما أخذت الخمر من نعيم تحدَّثَ بالتّفصيل عن قضيّةِ العير وخطَّة سيرها، فأسرعَ سليط إلى النبي صلى الله عليه وسلّم يروي لهُ القصّة.

وجهَّزَ رسول الله صلى الله عليه وسلّمَ لوقتهِ حملةً قوامها مائة راكب في قيادة زيد بن حارثة الكلبي، وأسرعَ زيد حتى دهمَ القافلة بغتةً _ على حينِ غرّة _ وهيَ تنزلُ على ماءٍ في أرضِ نجد يُقالُ لهُ: قَرْدة __ فاستولى عليها كلّها، ولم يكن من صفوان ومن معهُ من حرسِ القافلة إلاّ الفرار دونَ أيةِ مقاومة.

وأسرَ المسلمونَ دليلَ القافلةِ __ فرات بن حيّان، وقيلَ: ورجلين غيره __ وحملوا غنيمةً كبيرةً منَ الأواني و الفضّة كانت تحملها القافلة، قدّرت قيمتها بمائة ألف، وقسمَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم هذهِ الغنيمة على أفراد السريّة بعدَ أخذ الخُمس، وأسلَمَ فرات بنُ حيّان على يدي الرّسول صلى الله عليه وسلّم.

وكانت مأساة شديدة ونكبة كبيرة أصابت قريشاً بعدَ بدر، اشتدَّ لها قلق قريش وزادتها همّاً وحزناً، ولم يبقَ أمامها إلاّ طريقان، إمّا أن تمتنع عن غطرستها وكبريائها، وتأخذَ طريقَ الموادعة والمصالحة معَ المسلمين، أو تقوم بحرب شاملة تعيدُ لها مجدها التليد، وعزّها القديم، وتقضي على قوّات المسلمين بحيث لا يبقى لهم سيطرة على هذا ولا ذاك، وقد اختارت مكَّة الطريق الثانية، فازدادَ إصرارها على المُطالبة بالثّأر، والتهيُّؤ للقاءِ المسلمين في تعبئة كاملة، وتصميمها على الغزو في ديارهم، فكانَ ذلك وما سبق من أحداث التمهيد القوي لمعركة أُحُد.

____________________________________________________________________________

المرجع: سيرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلّم.