قصة قبول عمر بن الخطاب رضي الله عنه للإسلام:

كان عمر بن الخطاب، الذي صارَ فيما بعد ثاني خلفاء الإسلام، لا يزال واحداً من أشدّ الأعداء وأشرسهم نقمةً على الإسلام.

وأحسَّ عُمر أنّهُ لم تُتّخذ بعد الخطوة الحاسمة ضدَّ الحركة الجديدة، فقرّرَ أن يأخذها هو بأن يضعَ حدًّا لحياةِ الرّسول صلى الله عليه وسلّم، وخرجَ من بيتهِ يحملُ سيفهُ بغير جرابه ( غمده )، فلقيَهُ صديقٌ لهُ، أخذتهُ الدّهشة للحالة التي رآهُ عليها فسألهُ عمّا ينوي أن يفعلهُ، فقالَ عمر: ” أريدُ أن أقتلَ محمّدًا “. فقال له: ” أتظنُّ بني هاشم تاركيكَ تمشي على الأرض وقد قتلتَ محمّدًا، ألا تدري أنَّ أختكَ وزوجها قد أسلما”؟ ونزلَ عليه الخبر نزول الصاعقة، وانقبضَ صدرهُ بشدّة فقرّرَ أن يبدأَ بأُختهِ وزوجها أوّلاً. وعندما بلغَ بيتَ أُختهِ سمعَ صوتَ تلاوة في الدّاخل، وكانَ الصّوت هو صوت” خبّاب بن الأرَت” يُعلمهم القرآن الكريم، فدلفَ عمر إلى البيت مسرعًا . وأحسَّ خبّابُ بريبةٍ منَ الخطوات المتسارعة وهي تقتربُ فاختبأَ .وقامت فاطمة أخت عمر بتنحيةِ الأوراق القرآنيّة جانباً . وواجهت أخاها هي وزوجها، فقال عمر: ” لقد سمعت أنكما صبأتما”، يقصد أنّهما تخليا عن دينهما . ورفعَ يدهُ ليصكّ زوجها الذي كان من أبناء عمومته، فألقت فاطمة نفسها على زوجها كي تحولَ بينهُ وبين عمر، فهبطت الضّربة على وجه فاطمة، وأصابت أنفها التي أخذت تنزفُ الدّماءَ بغزارة. ولكنَّ الضربة زادت من شجاعةِ فاطمة، فقالت: ” نعم، لقد أسلمنا، ولن ندعَ هذا الدين، فافعل ما بدا لك “. كانَ عمر شهمًا مع خشونتهِ تلك. وقد جعله وجه أختهِ المصبوغ بالدّم من أثر يدهِ يشعرُ بالنّدم، فإذا بهِ يتحوَّلُ إلى شخص آخرمختلف تمامًا. طلبَ منهم أن يرى أوراقَ القرآن التي كانوا يقرؤونها، فرفضت فاطمة خشيةَ أ ن يمزّقها و يلقي بها، فوعدَ عمر أنّهُ لن يفعلَ. ولكن فاطمة قالت إنّهُ غير طاهر، فعرضَ عمر أن يغتسل. وبعد أن تطهّرَ وهدأت نفسه، تناولَ الصحائفَ القرآنيّة في يده وكانت تحوي جزءًا من سورة طه. فراحَ يقرأ فيها إلى أن وصلَ إلى قولهِ تعالى: { إنني أنا الله لا إله إلّا أنا فاعبدني وأقم الصلاةَ لذِكريO إنَّ السَّاعةَ آتيةٌ أكاد أُخفيها لتُجزى كُلُّ نفسٍ بما تسعى} ( طه: 15_ 16 ) إنَّ هذا التوكيد الجازم لوجود الله تعالى، وهذا الوعد السّاطع بساعة قادمة حتميّة، يؤسس فيها الإسلام عبادةً حقيقيّة مكانَ تلكَ التي اعتادت عليها مكّة، كلّ ذلكَ معَ حشد منَ الأفكار الأُخرى المرتبطة بها، لا بدَّ أنّها جميعًا حرّكت مشاعر عُمر، فلم يملك نفسهُ أمام تدفّقِ ينبوع الإيمان في قلبهِ، وقال: ” ما أعجبَ هذا الكلام وما أروعه”! فخرجَ خبّاب من مكمنه وصاحَ: ” فليشهد الله! لقد سمعتُ رسولَ الله بالأمسِ فقط يدعو الله أ ن يهدي للإسلام عمر بن الخطّاب أو عمرو بن هاشم. وأرجو أن تكونَ هدايتكَ ثمرة دعائهِ” . وعقد عمر رضي الله عنه العزم على اعتناق الإسلام، وسألَ أينَ يكون الرّسول صلى الله عليه وسلّم، وعلى الفور اتّجذَ طريقهُ إليهِ في دارِ الأرقم بن أبي الأرقم، وكانَ قد أخذَ سيفهُ معهُ، وعندما طرَقَ الباب؛ رأى الصّحابة عمرَ من شقوقِ الباب، فخشوا أن يكونَ ثمّة نيّة سوء لديه، ولكنّ الرّسول صلى الله عليه وسلّم أمرهم أن يدَعوهُ يدخُل، ودخلَ عُمر والسّيفُ لا يزال في يده. فقالَ له الرّسول صلى الله عليه وسلّم سائلًا: “ما جاءَ بكَ يا بنَ الخطّاب”؟ فقالَ عمر: ” يا رسولَ الله، لقد جئتُ لأُسلِم”. فكبّرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومعهُ الصّحابة: ” الله أكبر … الله أكبر “، وردّدت قمم الجبال صدى الصّوت، وانتشرت أخبارُ اعتناق عمر الإسلام كالنّارِ في الهشيم. ومنَ اليومِ فصاعدًا، أصبحَ عمر يعاني من الاضطهاد، شأنه في ذلكَ شأن بقيّة المسلمين، بعدَ أن كانَ هوَ الذي يقوم باضطهاد المسلمين وكانوا يخشونَ بأسهُ. أصبحَ يجد عذوبةً في العذابِ من أجل الإسلام، كما كانَ يجدُ عذوبةً في تعذيبِ المسلمين من قبل. وعادَ يسيرُ في طرقاتِ مكّة ويسمع من أهلها السّبابَ والتّحقير دونَ انقطاع.