دار الأرقم:

كانت هذه الدار في أصل الصفا، بعيدة عن أعين الطغاة ومجالسهم،

فاختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجتمعَ فيها بالمسلمين سرًّا،

فيتلو عليهم آيات الله ويزكّيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة؛ وليؤدي المسلمونَ عبادتهم وأعمالهم، ويتلقوا ما أنزلَ اللهُ على رسولهِ وهم

في أمن وسلام، وليدخل من يدخل في الإسلام ولا يعلم بهِ الطّغاة من أصحاب السّطوة والنّقمة.

ومما لم يكن يُشكُّ فيهِ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم لو اجتمعَ بالمسلمينَ علنًا لحاولَ المُشركونَ بكل ما عندهم من القسوة

والغلظة أن يحولوا بينهُ وبينَ ما يريدُ من تزكية نفوسهم ومن تعليمهم الكتاب والحكمة، وربما أفضى ذلكَ إلى مصادمة الفريقين، بل

قد وقعَ ذلكَ فعلًا. فقد ذكرَ اسحاق أنَّ أصحابَ رسولِ الله صلى االله عليه وسلّم كانوا يجتمعونَ في الشّعاب، فيصلّونَ سرّاً ، فرآهم نفر

من كفّار قريش، فسبّوهم وقاتلوهم، فضربَ سعدُ بنُ أبي وقّاص رجلًا فسالَ دمهُ، وكانَ أوّل دم هريق في الإسلام.

ومعلوم أنَّ المصادمة لو تعدّدت وطالت لأفضت إلى تدمير المسلمينَ وإبادتهم، فكانَ من الحكمة السّريّة والاختفاء، فكانَ عامة

الصّحابة يُخفونَ إسلامهم وعبادتهم واجتماعاتهم، أمّا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانَ يجهرُ بالدّعوة والعبادة بينَ ظهراني

المشركين، لا يصرفه عن ذلكَ شيء، ولكن كانَ يجتمع مع المسلمينَ سرًّا ؛ نظرًا لصالحهم وصالح الإسلام.