الخزَّان الأكبر قصيدة عمر أبو ريشة:

                                                                                  رآها في مدريد، وفي لحظة خاطفة شعرَ أنَّهُ عاشَ معَ عينيها الوَحشيّتين في عصرٍ منَ العصور، وقذفَ عقلهُ الباطن هذا الخزَّان الأكبر، إثرَ ذلكَ الشُّعور الخفي بالكلمات التّالية: النيل،الكهَّان،المعبد، سألهاإذا كانت تشعرُ شعورهُ فظنَّتهُ يهذي             

عيناكِ سوداوانِ وحشيَّتان أقرأُ في طَرفيهما عُمري! فكمْ طواني في مداه الزَّمان وما طوَت نجواهما صبري! فهذهِ ليلتنا الحاليهْ عادَتْ بأشتاتِ المنى الغاليهْ ليلة نامَ النيلُ مُفترّاً مُحتضناً حسناءهُ البكرا وزُمرُ الحِسانْ في رقصِها الفتانْ تواكبُ الألحانْ بالصنجِ والمزهرْ والندِّ والعنبرْ وخلفها الكهَّانْ والمعبد الأكبرْ! ونحنُ . هلْ تذكرين؟ كيفَ انسللْنا كيفَ شفينا الحنين وما سألنا! وفي حِمى نخلهْ ترنَّحَت قُبلةْ فسلسلت نهلهْ فأطفأت غلَّهْ! وبعدها! لم نلمح الفجرا ولم تزَلْ ليلتنا سرا أعرفُ منها هذهِ الذّكرى ما بكِ يا حسناء، يا سمرا؟ يا قطعةً مِنْ روحيَ الحرَّى أراكِ لا تدرين ما مرّا منْ أنتِ، ردّي على سؤالي ولا تحدي مدى خيالي أتنكريني، وتعرفيني؟ وتسأليني وتمنعيني! ويحَ يقيني! ********** لا بدَّ أنْ يحنو عليَّ الزَّمانْ وأنْ تلاقيني بفيضِ الحنانْ عينانِ، سوداوانِ، وحشيّتان!! 1950م