استولى على أرض أخيه ودمر أسرته من أجل عشرة آلاف ليرة

كانت وردة تعمل في أرضها بجد ونشاط، ومنظر الأشجار والخضراوات التي نبتت أضفى على حياتها الأمل والفرح، بأبسط الإمكانيات والأدوات جعلت من بقعة أرض جرداء بستاناً يضجُّ بالفرح، زوجها حامد كان متقاعساً قليل الحيلة والتدبير، وردة تعلم جيداً عيوب زوجها الفادحة لكنها لطالما تغاضت عنها، الأولاد الخمسة فارس ونجم وأحمد، سعاد وأمل كانوا يتمتعون بالذكاء والهمة العالية، وقد عوَّضَ ذلك أمهم بعض الشيء عن استهتار والدهم وتقصيره، تراكمت الديون على حامد وراح الناس يطالبونه بسدادها، وهو يؤجلهم ويختلق الحجج، وفي نفس الوقت يلح على زوجته بأن تعمل وتوفر المال لكي يتمكّن من سداد الديون، أُرهقت وردة من نمط الحياة المليء بالفوضى وعجزت عن مساعدة زوجها، فما كان منه إلاّ أن التجأَ إلى أخيه عيسى طالباً منه العون، عيسى كان يدرك تماماً بأنّ حامد شخص لامبالي، وقد يعجز عن رد المبلغ الذي سيقترضه منه، فاقترح عليه أن يكون هناك ضمان من أجل حفظ حقه، فأجابه حامد بأنّه لا يمتلك أي شيء، فأجابه أخوه بل تمتلك تلك الأرض سأعتبرها رهن لحين السداد، وإذا مضى عام ولم تردَّ لي ديني سوف تصبح الأرض لي، وافق حامد على الاقتراح فمدة سنة تكفي لسداد مبلغ أكبر بكثير من عشرة آلاف، وفكّر في خلده أخي لن يكون جديّاً لهذه الدرجة معي في أمر كهذا ولن يحرمني من أرضي من أجل مبلغ صغير، كتب عيسى ورقة ذكَرَ فيها بأنّ الأرض ستكون بعد عام له إذا لم يعيد حامد النقود، أخذ حامد النقود ومضى مسرعا ليسدد ديونه السابقة، ولما أنهى مهمته عاد إلى منزله سعيداً شعرت وردة بتبدل مزاج زوجها فقالت له ممازحةً: وأخيراً بانَ سنّك وضحكت! فردّ عليها حامد وكيف لا أكون سعيداً وقد وفيت جميع ديوني والحمد لله، سألته زوجته بدهشة واستغراب وكيفَ تمكنت من ذلك؟ من أين لكَ بالنقود، فحدَّثها بما جرى وأخبرها عن الأرض والضمان، حزنت وردة كثيراً وقالت له بقسوةوحِدّةٍ: هذا استهتار يا حامد ماذا لو لم نتمكن من ردّ المبلغ في الوقت المحدّد؟ سوف تصبح الأرض لأخيك وهو المقتدر، ونحن لا نملك شيئاً سواها.

انزعج حامد انزعاجاً شديداً وقال لها بنبرة حزينة وحادّة: أنت هكذا طوال حياتك لا تحبين رؤيتي سعيداً أبداً ودائماً تعكرين صفو حياتي.

أجابته وردة: هل لكَ أن تخبرني عن مصيرنا لو أننا خسرنا الأرض كيف سنعيش ؟!

خرج حامد من بيته غاضاً وأغلق الباب وراءه بعنف شديد وانطلق يتمتم ويتذمّر.

بعد ذلك مضت الأيام والأشهر بسرعة، ولم يطرأ أي تحسّن على حياة تلك الأسرة، الكثير من العمل والقليل القليل من المال، متطلبات الحياة ومدارس الأولاد بالكاد كانت تؤمَّن، المحسنون أصحاب الأيادي البيضاء كانوا يقدمون لهم مايتيسّر من المساعدة ولكن الحياة قاسية والغلاء فاحش، انقضت المدة المحددة بلمح البصر، كان يوم الثلاثاء يوماً مشؤوماً حيث انقلبت حياة العائلة منذ ذلك اليوم إلى وضع مترد وسيء أكثر مما كان عليه سابقاً؛ حيث قَدِمَ عيسى إلى دار أخيه ليبلغهُ بأنَّ الأرضَ صارت ملكاً له.

كادَ قلب وردة يطير من صدرها من شدة خفقانه، كانت توجس خيفة ممّا حدثَ فيما بعد فعلاً، تنازل حامد مرغماً عن الأرض لأخيه، قدمت وردة الشاي لهما ودموعها تنهمر بلا انقطاع، وشعرت بأنّه لا بدَّ من تدخلها، جلست معهم وبادرتهم قائلة يا أخي عيسى هل تعرف مدى التعاسة التي ستغرقُنا فيها إن أنت فعلت ذلك، إنها مصدر رزقنا الوحيد، وهي كل ما نملكه من هذه الحياة إضافة إلى هذا البيت المتهلهل و……ثمَّ صمتت بحرقة.

قال عيسى هل أنهيت كلامك؟

ردَّت: نعم.

قال: أنا أقرضتكم عشرة آلاف ليرة منذ سنة ولو أني اشتريت فيها بضاعة وتاجرت فيها لكانت تضاعفت كثيراً، ثمَّ إننا اتفقنا منذ البداية وما كان أوّله شرطاً كانَ آخره سلامة.

قاطعهما حامد قائلا لقد توسَّمت فيكَ خيراً يا أخي وظننتك سترأفُ لحالنا، ولكن بعد كل هذا الكلام أعرف أنه لا مفرَّ من تنفيذ الشرط الذي بيننا وقد أصبحت الأرض لك بسبب سوء تدبيري، وتمتمت وردة بصوت غير مسموع، وكذلكَ بسبب طمعك، تقصد بذلك طمع عيسى…..

بدأت الأيام التالية تمرُّ قاسيةً على عائلة حامد، في البداية كانت وردة تنهض باكراً وتَهِمُّ بشغف للخروج من أجل العمل في الأرض وسرعان ما تتذكر ما جرى فيملأ الخذلان قلبها وتبتئس.

بدأ الوضع المادي للعائلة يتراجع إلى أن أصبح مزرياً، وردة لم تعد تنظّف البيت كالسابق وكذلك لم تعُد تطهو الطعام، والأولاد يتضورون جوعاً فتصرخ في وجههم وتوبخهم، وكان لديها طفل صغير عمره سنة ونصف اسمه أحمد، راحت تهمله وتهمله وفي بعض الأحيان تغير له الحفّاض بطريقة غريبة حيث تضع قطعة المشمع وتربطهُ دون أن تضع قطعة القماش، لقد تدهورت أحوالها النفسيّة والعقليّة كثيراً، وفي أحد الأيام زارتها جارتها للاطمئنان عليها، فحملت وردة سكيناً وجرت وراءها وحاولت إيذاءها فهربت منها بأعجوبة ولم تكرر زيارتها لها ثانيةً، وصارت قصة وردة وعائلتها حديث الجيران والمقرّبين، الفقر القبيح دخل وشرّكَ كلَّ جمالٍ وبهاء، بعد فترةٍ وجيزة ماتت وردة بسكتةٍ قلبية، قلبها لم يحتمل رؤية عيسى وعائلته يَجْنون تعبها ويدوسون على أحلامها، كان يوم الجنازة يوماً مَهيباً تفطرت فيه قلوبٌ كثيرة لما آلَ إله حال وردة.

تابع حامد وأولاده تجرُّعَ مرارة الحياة وأذاها تتلاطمهم أمواج العوَز والحاجة، وعيسى تابع حياته بجشع متجاهلاً كل ما جرى بسببه.

أ.عائشة أحمد البراقي

شاهد أيضًا قصة حسام الحزين