من هو معاوية بن أبي سفيان:

هو أبو عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان الأموي القرشي، من أصحاب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وأحد كتّاب الوحي. سادس الخلفاء في الإسلام و يعتبر مؤسس الدولة الأموية في الشام وأوّل خلفائها. ولد في مكة المكرّمة وتعلم الكتابة والحساب، وأسلم قبل أن يتم فتح مكة ولما تسلَّم أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه الخِلافة ولاَّه قيادة جيش تحت إمرة أخيه يزيد بن أبي سفيان، فكان على مقدمته في فتح مدينة بيروت وعرقة وجبيل وصيداء ولما استُخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه  جعله واليا على الأردن، ثم ولاه دمشق بعد موت أميرها يزيد (أخيه) ثم ولّاه عثمان بن عفّان رضي الله عنه  الدّيار الشّامية كلها وجعل ولاة أمصارها تابعين له. وبعد حادثة مقتل عثمان بن عفان أصبح علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخليفة فنشب خلاف بينه وبين معاوية حول التصرف الواجب عمله بعد مقتل الخليفة عثمان إلى أن اغتال ابن ملجم الخارجي عليًا فتولى ابنه الحسن بن علي  الخلافة ثم تنازل عنها لمعاوية عام 41 ه وفق عهدبينهما، فأسس معاوية الدولة الأموية واتخذ دمشق عاصمةً له.

نشأته وحياته

نسبه

هو: معاوية بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة  بن كعب بن لؤي  بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .

وأمّه: هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف العبشمية القرشية.

يلتقي نسبه بنسب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في عبد مناف.

نشأته

ولد قبل البعثة بخمس سنين، وقيل بسبع، وقيل: بثلاث عشرة، والأول أشهر. وقد تفرس فيه أبوه وأمه منذ الطفولة بمستقبل كبير، فروي أن أبا سفيان نظر إليه وهو طفل فقال: «إن ابني هذا لعظيم الرّأس، وإنه لخليق أن يسود قومه»، فقالت هند: «قومه فقط؟ ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة.» وعن أبان بن عثمان قال: «كان معاوية يمشي وهو غلام مع أمه هند فعثر فقالت قم لا رفعك الله وأعرابي ينظر إليه فقال لم تقولين له فوالله إني لأظنه سيسود قومه فقالت لا رفعه الله إن لم يسد إلا قومه.»

له من الأخوة: يزيد بن أبي سفيان، وعتبة بن أبي سفيان، وعنبسة بن أبي سفيان. ومن الأخوات أم حبيبة بنت أبي سفيان وأم الحكم ، عزّة وأميمة.

أسرته

  • تزوّج ميسون بنت بحدل وأنجبت له يزيد وقد طلّقها.
  • وفاختة بنت قرظة وأنجبت له عبد الله  وعبد الرحمن.
  • كنود بنت قَرَظة، تزوّجها بعد أن طلّق أختها فاختة.
  • ونائلة بنت عمارة الكلبية ثم طلقها.

ومن بناته: رملة تزوجها عمر بن عثمان بن عفان وهند تزوجها عبد الله بن عامر. وعائشة وعاتكة وصفية.

إسلامه

قيل أنه أسلم هو وأبوه وأمه وأخوه يزيد يوم فتح مكة وقيل أنه أسلم قبل الفتح وبقي يخفي إسلامه حتى عام الفتح، قال الذّهبي: «أسلم قبل أبيه في عمرة القضاء، وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من أبيه.» وروي عن معاوية أنه قال:«لما كان عام الحديبية صدت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت ودافعوه بالراح وكتبوا بينهم القضية، وقع الإسلام في قلبي، فذكرت ذلك لأمي هند بنت عتبة فقالت: إياك أن تخالف أباك، أو أن تقطع أمراً دونه فيقطع عنك القوت، فكان أبي يومئذ غائبا في سوق حباشة قال: فأسلمت وأخفيت إسلامي، فوالله لقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية إني مصدق به، وأنا على ذلك أكتمه من أبي سفيان، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام عمرة القضية وأنا مسلم مصدق به، وعلم أبو سفيان بإسلامي فقال لي يوما: لكن أخوك خير منك، فهو على ديني، قلت: لم آل نفسي خيرا. وقال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح فأظهرت إسلامي ولقيته فرحب بي.»

صفاته الخَلقيّة والخُلقيّة

ذكر ابن أبي الدنيا، وغيره: أن معاوية كان طويلا، أبيض، جميلا، إذا ضحك انقلبت شفته العليا، وكان يخضب.

كان كريما سخيا خاصة مع أهل البيت والصحابة.

أمثلة تدل على كرم معاوية بن أبي سفيان:

  • بعث مرة إلى عائشة بمائة ألف درهم، فوالله ما أمست حتى فرقتها.
  • كان معاوية إذا تلقى الحسن بن علي قال له مرحباً وأهلًا بابن رسول الله وإذا تلقى عبد الله بن الزبير قال له مرحبا بابن عمة رسول الله وأمر للحسن بن علي بثلاثمائة ألف وعبد الله بن الزبير بمائة ألف.
  • روى الإمام أحمد عن علي بن أبي حملة عن أبيه قال: رأيت معاوية على المنبر بدمشق يخطب الناس وعليه ثوب مرقوع.
  • عن يونس بن ميسر الحميري الزاهد ـ وهو من شيوخ الأوزاعي ـ قال: «رأيت معاوية في سوق دمشق وهو مُرْدِفٌ وراءَه وصيفًا، وعليه قميص مرقوع الجَيْب يسير في أسواق دمشق.
  • قال ابن عمر عن حلم معاوية:(معاوية من أحلم الناس قالوا يا أبا عبد الرحمن وأبو بكر قال أبو بكر خير من معاوية ومعاوية من أحلم الناس).
  • قال قبيصة بن جابر:(صحبت معاوية بن أبي سفيان فما رأيت رجلا أثقل حلما ولا أبطأ جهلا ولا أبعد أناة منه).

أعماله

أعماله في خلافة أبي بكر

تولى قيادة جيش إمداد لأخيه الصحابي يزيد بن أبي سفيان في خلافة أبي بكر ، وأمره أبو بكر بأن يلحق به فكان غازيا تحت إمرة أخيه، وقاتل المرتدين في معركة اليمامة، ومن بعد ذلك أرسلهُ الخليفة أبو بكر مع أخيهِ يزيد لفتح الشام وكان معه يوم فتح بيروت وصيدا وجبيل وعرقة وهم من سواحل الشام.

تولي معاوية ولاية الشام

تولى معاوية بن أبي سفيان ولاية الأردن في الشام سنة 21ه في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وبعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان من طاعون عمواس، ولاه الخليفة عمر بن الخطاب ولاية دمشق وما يتبع لها من البلاد، ثم جمع له الخليفة عثمان بن عفان على ولاية الشام كلها، فكان من ولاة أمصارها. وبعد موت عثمان بن عفان سنة 35 ه نادى بأخذ الثأر من قتلة عثمان بن عفان وحرض على قتالهم. وقبل ذلك وقعت موقعة الجمل  حيث كانت عائشة بنت أبو بكر الصديق رضي الله عنهما زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في جيش يقاتل للقصاص من قتلة الخليفة عثمان بن عفان  وكان في قيادة الجيش طلحة بن عبيد الله والزّبير بن العوام وكانوا قد خرجوا جميعا للأخذ بالثأر من قتلة عثمان بن عفان، وبعد موقعة الجمل قاد معاوية جيشاً ضد خليفة المسلمين علي بن أبي طالب وكانت موقعة صفين  التي انتهت بالتحكيم الجبري، وبعد مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب تولى الحسن بن علي بن أبي طالب  الخلافة فثار معاوية على الحسن وحاربه فما كان من الحسن إلا أن حَقن دماء المسلمين وأقام عهداً مع معاوية ينص على أنه يبايع معاوية على مابايع المسلمون عليه أبابكر وعمر وأن يسير بسيرتهم وأنَّ الأمر يعود للمسلمين لاختيار خليفتهم بعد وفاة معاوية وهذا ما لم يحدث، وبموجب ذلك العهد تسلم معاوية الحكم فأصبح خليفة المسلمين في دمشق عاصمة دولة الخلافة الإسلامية.

سياسة معاوية الداخلية:

أنشأ الدواوين المركزية:

_ ديوان الرسائل:هو الهيئة المشرفة على تحرير رسائل الخليفة وأوامره وعهوده.

_ ديوان الخاتم:أنشأ معاوية ديوان الخاتم لتحقيق السريَّة والأمان لمراسلات الدولة.

_ ديوان البريد:حيث أدخل نظام البريد إلى الدولة الإسلامية في دمشق.

_ نظام الكتَبة:حيث عيَّنَ لكلّ ديوان كاتب.

الأمن في خلافته:

_ الحاجب: حيث كان أول من اتخذ الحاجب في الإسلام، لكي يتجنب محاولات الاعتداء عليه.

_ الحرس: وهو أيضا أول من اتخذ الحرس في الدولة الإسلامية، خوفا من الخوارج الذين يريدون قتله.

_ الشرطة:ووظيفتها المحافظة على الأمن والنظام.

_ حسن اختيار الرجال والأعوان.

_ استخدام المال في تأكيد الولاء.

_ اتباع سياسة الشّدة واللين.

_ المخابرات: كانت الأجهزة الداخلية والخارجية في عهد معاوية قوية جدًا، ومما يدل على قوتها:

اطلاعه على المراسلات التي بين الحسين وأهل العراق.

قصة الأسير المسلم عند البيزنطين، الذي لطم على وجهه بين يدي ملك الروم وقول الأسير :وا إسلاماه أين أنت يا معاوية، ووصل الخبر عند معاوية.

الاهتمام ببناء الجيش الإسلامي.

وفاته

توفّي في دمشق عن عمر يناهز ال 78 عاماً بعدما عهد بالأمر إلى ابنه يزيد بن معاوية ودُفن في دمشق وكانت وفاته في  شهر رجب  سنة 60 ه كان خلالها والياً لـمدة 20 سنة وخليفة لـمدة20 سنة أخرى.

تولّى معاوية بن أبي سفيان الشّام بعد أخيه يزيد في زمن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، ولم يزل بها متوليًا حاكما إلى أن مات، ودام حكمه أربعون سنة منها في أيام عمر قرابة أربع سنوات، ومدة خلافة عثمان، وخلافة علي بن أبي طالب وابنه الحسن بن علي، وذلك تمام عشرين سنة، ثم استوثق له الأمر بتسليم الحسن بن علي إليه في سنة إحدى وأربعين هجرية، ودام له عشرين سنة. وقد أصابته في آخر عمره لَقوة، وكان يقول في آخر عمره: ليتني كنت رجلًا من قريش بذي طوى، ولم أر من هذا الأمر شيئًا. قال الملا علي القاري: “وكان عنده إزار رسول الله  صلى الله عليه وسلم ورداؤه وقميصه وشيء من شعره وأظفاره فقال: كفنوني في قميصه، وأدرجوني في ردائه، وأزروني بإزاره وخلّوا بيني وبين أرحم الراحمين”

نظرة أهل السنة والجماعة لمعاوية

يلقبه أهل السنة والجماعة بخال المؤمنين، ويذكرون أنّه كان بعد إسلامه يكتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت : نام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني ثم استيقظ يبتسم فقلت: ما أضحكك؟ قال : ” أناس من أمّتي عرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة “، قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها ثم نام الثانية ففعل مثلها فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: أدع الله أن يجعلني منهم، فقال: « أنت من الأولين » فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً. أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين فنزلوا الشام فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت وهذا الحديث فيه منقبة لمعاوية بن أبي سفيان وذلك لأنَّ أوَّل جيش غزى في البحر كان بإمرة معاوية (فتح الباري 11/75) .

عن أبي إدريس الخولاني قال لما عزل عمر بن الخطاب عمير ابن سعد عن حمص ولّى معاوية فقال الناس عزل عميرا وولّى معاوية قال عمير بن سعد: لا تذكروا معاوية إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به ».

قال الحافظ الذهبي في « تذكرة الحفاظ » (2/699) : « لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي صلى الله عليه وسلم : “اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة”.

والجدير بالذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أشار أن خلافة النبوة من بعده ثلاثون عامًا ثم ملك ورحمة، ومن المعروف أن الرسول محمد بن عبد الله قد توفي سنة 11ه، أي أنه في عام 41ه قد اكتملت الثلاثون عاما التي قد أشار إليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم. حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك» بالإضافة إلى الحديث الصحيح الآخر الذي أورده البخاري في صحيحه وهو:«أخرج النبي ذات يوم الحسن، فصعد به على المنبر، فقال: ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين.»

وبالجملة فالصحابة كلهم عدول قال النووي في التقريب: “الصحابة كلهم عدول من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به (تقريب النواوي مع شرحه تدريب الراوي 2/214) قال الذهبي في « السير » (3/132) : « حسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم – وهو ثغر – فيضبطه ويقوم به أتم قيام ويرضى الناس بسخائه وحلمه وإن كان بعضهم تألم مرة منه وكذلك فليكن الملك وإن كان غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً منه بكثير، وأفضل وأصلح، فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه، وسعة نفسه وقوة دهائه، ورأيه وله هنّات وأمور، والله الموعد. وكان محبباً على رعيته، عمل نيابة الشام عشرين سنة والخلافة عشرين سنة ولم يهجه أحد في دولته، بل دانت له الأمم وحكم على العرب والعجم، وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك.

وقد ألَّف الإمام ابن حجر الهيتمي (ت 974هـ) كتاباً في فضائل معاوية، جمع فيه أقوال علماء أهل السنة فيه وردودهم على الطاعنين به، وسمّاه “تطهير الجنان واللّسان عن ثلب معاوية بن أبي سفيان”، ومن تلك المناقب المذكورة:

  • كتابته للوحي.
  • دعاء النبي له.
  • روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين.
  • وصف النبي صلى الله عليه وسلم له بأنه أحلم الأمة وأجودها.
  • أنه أمين على كتاب الله.أنه أحد أصهار النبي.
  • أنه تولى في عهد عمر وعثمان رضي الله عنهما دمشق.
  • قوة حجته في استنباط الأدلة.
  • ثناء علي بن أبي طالب عليه عليه.
  • أنه أظهر منذ صغره مخايل نجابته.
  • شهادة ابن عباس له بأهليته للملك.
  • شهادة أبي الدرداء بأن صلاته أشبه بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
  • طرف مما عنده من العلم والمعرفة.
  • روايته عن أكابر الصحابة وأكابر التابعين عنه.
  • إخباره عن أمور مغيبة.
  • شهادة بعض الصحابة على أفضليته.

نظرة الشيعة لمعاوية

يرى الشيعة معاوية بن أبي سفيان بأنه خارج على إمام زمانه علي بن أبي طالب وحارب عليا في صفين ونفى الصحابي أبي ذر الغفاري من الشام وقائد الفئة الباغية التي قتلت الصحابي عمار بن ياسر والذي قال فيه الرسول «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» وكان من المؤيدين والساعين لإشعال معركة الجمل ففي رسالة بعث بها إلى الزبير بن العوام قال :«فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب، فدونك الكوفة والبصرة، لا يسبقك إليها ابن أبي طالب، فإنه لا شي بعد هذين المصريين، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك، فأظهرا الطلب بدم عثمان، وأعدوا الناس إلى ذلك، وليكن منكما الجد والتشمير، أظفركما الله وخذل مناوئكما »

إضافة إلى ذلك فمعاوية سنّ سب علي بن أبي طالب على المنابر والانتقاص والاستهزاء منه ومن أهله وأنصاره، فعن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : «أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال : مامنعك أن تسب أبا التراب، فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم»  وكانت من وصايا معاوية للمغيرة عندما ولاه الكوفة «أما بعد فإن لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا تاركها اعتمادا على بصرك… ولست تاركا إيصاءك بخصلة لا تتحمّ عن شتم علي وذمه والترحم على عثمان والاستغفار له والعيب على أصحاب علي والاقصاء لهم»

وإضافة إلى طمعه في الخلافة فقد أوصى بالخلافة لغير أهلها كما ذكر ذلك بقوله «إنّ هذه الخلافة حبل الله وأنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله ومَن هو أحقّ به منه عليّ بن أبي طالب، وركب بكم ما تعلمون حتّى أتته منيّته فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ قلّد أبي الأمر وكان غير أهل له ونازع ابن بنت رسول الله ، فقصف عمره، وانبتر عقبه، وصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ بكى وقال: مِنْ أعظم الاُمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبؤس منقلبه، وقد قتل عترة رسول الله ، وأباح الخمر وخرّب الكعبة» 

قصة دارت بين معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما:

كان لعبد الله بن الزبير- رضي الله عنه- مزرعة في المدينة مجاورة لمزرعة يملكها معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما-خليفة المسلمين في دمشق، وفي ذات يوم دخل عمال مزرعة معاوية إلى مزرعة ابن الزبير، وقد تكرر منهم ذلك في أيام سابقة؛ فغضب ابن الزبير وكتب لمعاوية في دمشق وقد كان بينهما عداوة قائلاً في كتابه: (( من عبدالله ابن الزبير إلى معاوية( ابن هند آكلة الأكباد ) أما بعد..فإن عمَّالك دخلوا إلى مزرعتي، فمرهم بالخروج منها، أو فوالذي لا إله إلا هو ليكونن لي معك شأن! فوصلت الرّسالة لمعاوية، وكان من أحلم الناس، فقرأها.. ثم قال لابنه يزيد: ما رأيك في ابن الزبير أرسل لي يهددني ؟فقال له ابنه يزيد: أرسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتيك برأسه.. فقال معاوية:”بل خيرٌ من ذلك زكاةً وأقربَ رُحماً “. فكتب رسالة إلى عبدالله بن الزبير يقول فيها:من معاوية بن أبي سفيان إلى عبدالله بن الزبير ( ابن أسماء ذات النطاقين ) أما بعد..فوالله لو كانت الدنيا بيني وبينك لسلّمتها إليك ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لدفعتها إليك، فإذا وصلك كتابي هذا فخذ مزرعتي إلى مزرعتك وعمّالي إلى عمّالك؛ فإن جنّة الله عرضها السموات والأرض! فلمّا قرأ ابن الزبير الرسالة بكى حتى بلّ لحيته بالدموع، وسافر إلى معاوية في دمشق وقبّل رأسه، وقال له: لا أعدمك الله حِلماً أحلّك في قريش هذا المحل.