
_ وحشي الحبشي:
_ عندما أهدر النبي (صلَّ الله عليه وسلم) دم وحشي الحبشي قاتل عمه حمزة،
هرب وحشي للطائف يوم الفتح ودخل متنكرا بين الوفود فعرفه الرسول بصوته الجهوري
فناداه أأنت قاتل عمي أأنت وحشي ؟؟
قال أنا وحشي يا رسول الله
ونزع وحشي ما كان يستر به وجهه
( وكان ذلك العام التاسع للهجرة عام إتيان الوفود للمدينة للإسلام فسماه أهل السيَر بعام الوفود )
ثم قال وحشي لسيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم لقد أشركت وقتلت الحمزة يوم غزوة أحد وأنت تعلم وبقرت بطنه بأمر سيدي جبير بن مُطعم ليعتقني وقد فعل
وأنت تعلم ولكني أتيتك تائبا نادما راجيا رحمة ربي بإسلامي
لعلي أعمل في الإسلام ما يرضي ربي عني ويرضي رسوله فأنا في جوارك
يا رسول الله حتى يفصل الله في أمري أيقبلني أم يردني بجريمة عمك الحمزة
فقال النبي صلى الله عليه وسلم
قد كنت أحب أن أراك في غير جوار (أي في المعركة)
حتى أثأر لعمي حمزة
ولكن ما دمت أتيتني مستجيرا فأنت في جواري حتى يفصل الله في أمرك
لأن الحمزة لم يكن عم النبي فقط بل تربه (أي أخوة في الرضاعة)
وسماه النبي محمد صلى الله عليه وسلم أسد الله وأسد الرسول وكنّاه بسيّد الشّهداء.
فنزل جبريل الأمين يبشر وحشي وغيره بقوله سبحانه وتعالى {قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنّه هو الغفور الرحيم } الآية 53 من سورة الزمر
فقال النبي أبشر لقد عفا الله عنك فالإسلام يجب ما قبله
وأراد وحشي أن يكفّر عن جريمته النّكراء ليرضى سيدنا النبي الأكثر تأثرا بعمه الحمزة
فشارك في حروب الردّة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم
عندما ادّعى مسيلمة الكذاب النبوة بأرض اليمامة في خلافة أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه وأرضاه
كان له وحشي بالمرصاد كما كان للحمزة سابقا يوم أحد
فخرج وحشي بحربته مع الجيش
لأنه ينتظر مثل هذا اليوم للكفارة عما فاته قبل الإسلام وصوب وحشي حربته إلى مسيلمة الكذاب
وحربته عادة لا تخطأ لأنه كان ماهرا بالرمي
وصاح وحشي لقد قتلت أحب الناس إلى الرسول عمه الحمزة
وقتلت أبغض الناس إلى الرسول مسيلمة الكذاب مدّعي النبوّة
اللهم ارض عني واجعل رسولك يرضى عني ويسامحني.
_ قصة وحشي بن حرب الحبشي قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه: هي من أكثر القصص تأثيرًا في السيرة النبوية، لأنها تمثل أوج العداء ثم قمة التوبة في آنٍ واحد.
_ البداية: من هو وحشي؟
وحشي بن حرب، كان عبداً حبشياً عند جبير بن مطعم بن عدي من قريش، وكان رجلًا قوي البنية، ماهرًا في الرمي بالحربة، لا يُخطئ هدفه غالبًا؛ وكان يلقب بـ”العبد الأسود” في مكة، وكان يعيش حياة الذل والخدمة، ينتظر فرصة يتحرر فيها من الرق.
_التحريض على قتل حمزة:
في غزوة أُحُد، وبعد الهزيمة التي منيت بها قريش في بدر، كانت هند بنت عتبة – زوجة أبي سفيان – قد نذرت أن تثأر لأبيها عتبة بن ربيعة وأخيها وعمها الذين قُتلوا في بدر على يد المسلمين، وكان من بين من قتل أباها حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله ﷺ.
فجاء جبير بن مطعم إلى عبده وحشي وقال له:
“إن قتلت حمزة بن عبد المطلب بعمّي طعيمة بن عدي فأنت حر.”
فأخذ وحشي هذا العرض على أنّه فرصة النجاة من الرق، فقرر أن يترقب الفرصة المناسبة في ساحة المعركة.
_ مقتل حمزة رضي الله عنه:
عندما بدأت معركة أُحُد، وقف حمزة رضي الله عنه بكل شجاعة في وجه المشركين، يضرب فيهم يمينًا ويسارًا، حتى كانت الراية القرشية تسقط كلما اقترب منها.
يقول وحشي في روايته كما نقلها ابن إسحاق:
“خرجت مع الناس إلى أُحُد، فلما اصطف الناس خرجت أنظر حمزة وأترقب موضعه، حتى رأيته مثل الجمل الأورق (أي القوي الطويل)، يهدّ الناس بسيفه هدّاً، فما زلت أُراوِغه حتى ظفرت به من وراء صخرة، فلما دنا مني رميتُه بحربتي، فأصبتُه في خاصرته، فخرجت من بين رجليه، فوقع مكانه، فأمهلته حتى مات، ثم أتيت نحوه فأخذت حربتي وعدت إلى المعسكر، ولم يكن لي في القتال حاجة غيره.”
_مصيبة رسول الله ﷺ:
عندما انتهت المعركة، ومرّ النبي ﷺ يتفقد الشهداء، رأى جسد عمه حمزة وقد مُثّل به تمثيلاً بشعًا: قُطع أنفه وأذناه، وبُقر بطنه، وأخرجت كبده.
فبكى النبي ﷺ بكاءً شديدًا وقال:
“لن أصاب بمثلك أبداً، ما وقفت موقفًا أغيظ عليّ من هذا.”
وقال أيضًا:
“رحمك الله يا عم، لقد كنت وصولًا للرحم، فعولًا للخيرات، ذابًّا عن رسول الله.”
وقيل إنّ هند بنت عتبة – في لحظة – مضغت كبده ثم لفظتها، وكان ذلك مما زاد المأساة ألمًا.
_إسلام وحشي بعد ذلك:
بعد فتح مكة، شعر وحشي بالخوف، لأنه علم أن النبي ﷺ لن ينسى قتله لعمه، فهرب إلى الطائف، وبقي فيها إلى أن أرسل أهل الطائف وفدهم ليعلنوا إسلامهم.
ففكر وحشي في الإسلام وقال:
“كيف أُسلم وقد قتلت حمزة؟”
ثم كتب إلى النبي ﷺ يسأله إن كان له توبة، فنزل قوله تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
(سورة الزمر: 53)
فلما سمعها وحشي قال:
“إذن، لا قنوط بعد اليوم!”
وجاء إلى المدينة وأعلن إسلامه بين يدي النبي ﷺ.
_ موقف النبي ﷺ من وحشي:
عندما دخل وحشي على النبي ﷺ قال له رسول الله ﷺ:
“أأنت وحشي؟”
قال: “نعم يا رسول الله.”
قال: “أأنت قتلت حمزة؟”
قال: “قد كان من الأمر ما بلغك.”
فقال له النبي ﷺ:
“فهل تستطيع أن تُغَيِّب وجهك عني؟”
أي أنه ﷺ سامحه شرعًا، لكنه كان يتألم لرؤيته، لأنها تذكّره بعمه الشهيد.
_قتله لمسَيْلمة الكذاب:
بعد وفاة النبي ﷺ، شارك وحشي في حروب الردة، وكان يسعى لأن يكفّر عن ذنبه بقتل أعداء الله.
وفي معركة اليمامة، حمل حربته القديمة وقال:
“اليوم أقتل شرّ الناس كما قتلت خير الناس.”
فقتل بها مُسَيْلمة الكذاب، الذي ادعى النبوة، وقال بعدها:
“بهذه الحربة قتلتُ خير الناس يوم أُحُد، وبهذه الحربة قتلتُ شر الناس يوم اليمامة.”
_وفاة وحشي:
عاش وحشي بعد ذلك حياة التوبة والعبادة، وكان يبكي كثيرًا، ويقول:
“قتلت حمزة خطأً في الجاهلية، وأسأل الله أن يغفر لي.”
ومات في بلاد الشام في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بعد حياة قضاها في الإسلام والطاعة، لعل الله غفر له بتوبته الصادقة.
باب التوبة مفتوح لكل من أخطأ، مهما عَظُم ذنبه.