خطبة وعظ للخليفة عمر بن عبد العزيز قُبيلَ وفاته:

خطبَ الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في منطقة ( خناصر ) شمالي حلب قُبيلَ وفاتهِ واعظًا:
 
فحمدَ اللهَ وأثنى ثمَّ قال:
 
(( أيّها الناس! إنّكم لم تخلقوا عبثاً، ولن تتركوا سدىً، وإنّ لكم معاداً يحكمُ اللهُ فيهِ بينكم، فخابَ وخسرَ من يخرجُ من رحمةِ الله، التي وسعت كلَّ شيء، وحُرمَ الجنّةَ التي عرضها السماواتُ والأرض، واعلموا أنّ الأمانَ لمن خافَ ربّهُ، وباعَ قليلاً بكثير، وفانياً بباقٍ؛ ألا ترونَ أنّكم من أسلابِ الهالكين، وسيخلّفها من بعدكم الباقون، حتّى تردّوا إلى الله خير الوارثين، ثمَّ إنّكم تشيّعونَ غادياً ورائحاً إلى الله، قد قضى نحبهُ وبلغَ أجلهُ، ثمّ تغيّبونه في صدعٍ منَ الأرض، ثمَّ تدَعونه غيرَ موسّدٍ ولا ممهّد، قد خلعَ الأسباب، وفارقَ الأحباب، وواجهَ الحِساب، مرتهناً بعملهِ، غنيّاً عمّا ترك، فقيراً إلى ما قدّم، وأيمُ اللّه إنّي لا أقولُ لكم هذهِ المقالة، وما أعلمُ عندَ أحدٍ منكم منَ الذّنوبِ أكثرَ ما عندي، فأستغفرُ اللّهَ لي ولكم، وما تبلغنا عندَ أحدٍ منكم حاجةٌ يتّسعُ لها ما عندَنا إلاّ سددناها، ولا أحد منكم إلاّ وددتُ أنّ يدهُ معَ يدي ولُحمتي الذي يلونني، حتى يستوي عيشنا وعيشكم، وأيمُ الله إني لو أردتُ غيرَ هذا من عيشٍ أو غضارةٍ لكانَ اللسانُ به ناطقاً ذلولا، عالماً بأسبابه، ولكنّهُ مضى منَ اللهِ كتابٌ ناطقٌ وسنّةُ عادلةُ دلَّ فيها على طاعتهِ، ونهى فيها عن معصيته)).