حوت 1                                                         ألْفُ دلْوٍ منَ الماء

كانَ الطّفلُ “يوكيو” يعيشُ في قريةٍ يرتَزِقُ أهلُها من صيْد الحِيتان. وكانَ يسألُ والِدَهُ: “لِماذا تقتُلُ الحِيتانَ يا أبَتاه؟ والِدُ صدِيقي “سُوْكِي” يعمَلُ في السُّوق، ولم يُلَطِّخْ يَدَيْهِ البتَّة بدَم الحِيتان.” فيُجيبُ وَالِدُه: “صيْدُ الحيتانِ هو كلُّ ما أعرِفُهُ يا بُنَيّ”. لكنَّ يوكيو لم يكُنْ يَفهَم ما يقصِدُهُ والِدُه.

عِندئَذٍ كانَ يوكيو يقصِدُ جَدَّهُ فيسْألُه: “لِماذا يصْطادُ والِدي الحِيْتان؟” فيجيبُ جَدُّه: “والدُكَ يفعَلُ ما يَتَوجَّبُ عليهِ فِعْلُه. دعْهُ وشأنَه يا صَغيري، وألْقِ سؤَالَكَ على البَحْر”. وقتَئِذٍ كانَ يوكيو يذهَبُ إلى البحْر ليلْقِي عليهِ سؤالَه، فلا يُجيبُهُ أحَدٌ غيرُ الطُّيورِ الجَوَارِحِ في فَضَاءِ الشّاطئ.

في إحْدى هذِه الرَّوحاتِ إلى البحر، رأى يوكيو حُوتًا قذَفَهُ موْجُ البَحْرِ إلى الشّاطئ، فعلِقَ بينَ الصُّخورِ بعدَ انحسارِ المَدّ. كان ذيْلُ الحوتِِ ينتَفضُ لدفعِ الجسْمِ أو سحْبِهِ بينَ الصُّخورِ، دونَ جَدْوى.

كان يوكيو يعرِفُ أنَّ الحْوتَ لا يعيشُ طَويلا خارِجَ الماء. فهرَعَ نحوَهُ هاتَفًا: “مَهْلا! سأساعِدُكَ أيُّها المسْكينُ!” لكِنْ كيف؟ فالحوْتُ ضخْمٌ مثْلَ التَّلِّ. ركَضَ يوكيو نحوَ الماء، فلاحَظَ أنَّ المَدَّ التّالي قد بَدَأ. وسُرَّ لرؤيةِ خَطِّ الماءِ يتقدَّمُ قَليلا مع كلِّ موْجَة.

كانتْ أشِعَةُ الشَّمْسِ الحارَّةُ تلْسَعُ رأسَ يوكيو، فذَكَّرَتْهُ بمُعاناةِ الـحوْت. مَلأ الطِّفْلُ دلْوَهُ الصَّغيرَ بالماء وركَضَ فصَبَّ الماءَ على رأسِ الحوْت. ثم نَظَرَ إليهِ بأسَفٍ قائِلاً: “دلْوي صَغيرٌ جدًّا ورأسُكَ كبيرٌ جِدًا. لكنَّني لنْ أتوقَّفَ قبلَ أنّ أصُبَّ على رأسِكَ ألفَ دلْو، لتخْفيفِ الحرارَةِ عنْكَ”.

صَبَّ يوكيو الدَّلْوَ الثَّاني والثّالِثَ والرَّابعَ. لكنَّهُ كانَ يعرِفُ أنَّ عليهِ أن يصُبَّ الماءَ على كلَّ أنحاءِ جسْمِ الحوت، وإلاَّ فإنَّهُ سيموتُ تحتَ حرارَةِ الشَّمْس. تابَعَ يوكيو عملَهُ جيئَةً وذَهابًا مُلْقِيًا أربَعةَ دِلاءٍ على جِسْمِ الحوت، فأربَعةً على ذَيْلهِ، فأربَعةً على رأسَهِ، مُعيدًا الكرَّةَ، وكانَ يحسُبُ ما صَبَّهُ في كلِّ مرَّة. وبعدَ وقْتٍ نسيَ العَدَّ، لكنَّهُ ثابَرَ على عمَلِه.كانَ جسْمُ الحوتِ يُلْقي بظلِّهِ إلى جانِبِ الصَّخْرَة. هناكَ جلسَ يوكيو يستَرْجع أنفاسَه، وقلبُهُ الصَّغيرُ يدُقُّ بعنْفٍ منَ التَّعب. لكنَّ عيْنَ الحوتِ كانَتْ ترمقُهُ بأسًى. فتذكَّرَ وعْدَهُ وهَبَّ ثانِيةً إلى دلْوِه.

أنهَك التَعَبُ الطِّفْلَ، لكنَّهُ تابَعَ العمَلَ حتى أحَسَّ بدُوارٍ ووقَعَ أرْضًا. شعَرَ يوكيو بذِراعَيْنِ تحمِلانِهِ بِرِفْقٍ وصوْتٍ يقول: “لقد عَمِلْتَ بجِدّ يا صغيري. سنقُومُ بالعَمَلِ عنْكَ”. حَملَ جدُّ يوكيو الطفْلَ إلى ظلِّ الصَّخْرَة، وهرَعَ إلى دلْوٍ كَبير. أرادَ يوكيو أنْ يهتِفَ لجدِّهِ أنْ يُسْرِعَ، فقد كانَ الجَدُّ شيخًا هرِمًا بطيء الحركَة. لكنَّهُ سمِعَ والدَهُ وجمعًا من أبناءِ القريَةِ يهرعُون باتِّجاهِ الشَّاطئ حامِلِينَ الدّلاءَ والأوْعِيَة.

خلَعَ بعضُ القرويِّينَ سُتْراتِهِم وبلَّلُوها بالماءِ ثم راحوا يَضَعونَها على جسْمِ الْـحوت، وكان جلدُهُ يلتهِبُ تحتَ حرارَةِ الشَّمْس. وتابَعَ الآخرونَ ملْءَ الدّلاءِ وصبَّها على الْحوت، وهُمْ يتراكَضُون.

ظلَّ ماءُ البحْرِ يتقدَّمُ معَ تقدُّم المدّ، حتَّى غطَّى ذَنبَ الْحوتِ العَظيم. عندئِذٍ شعَرَ يوكيو بأن الْحوتَ أصبَحَ بمأمَن. فهتَفَ بوالِدِه: “شُكرًا يا أبَتاهُ لإحضارِ القَرَويِّينَ للمُساعَدَة. “ردَّ والِدُهُ ضاحِكًا: “أنْتَ قويّ وطيِّب، لكنَّ إنقاذَ الحوتِ يحتاجُ إلى عَشراتِ الأيْدي”.

بَدأ الْحوتُ يتحرّكُ مع كلّ موْجَة. ثمَّ جاءَتْ موجَةٌ ضخمَةٌ رفَعَتْهُ منْ بينِ الصُّخور، فسبَحَ معها إلى البحْر، وهوَ يضرِبُ المَاءَ بذيلِهِ الكَبير. وقَفَ القرويُّونَ لَحظاتٍ يُراقِبونَ الْحوتَ يسبَحُ مبتعدًا عن الشاطئ. ثم قفلُوا عائِدينَ باتِّجاهِ قريَتِهم. أمَّا يوكيو فكانَ مستَغرِقًا في حُلُمٍ جميلٍ وهوَ نائمٌ على ذِراعَيْ والِدِه. فقد مَلأ ألْفَ دلْوٍ من الماءِ لكَيْ يُنقِذَ الـحُوت.

 

بإمكاننا أن ننقذ العالم  بهمتنا وتعاونناحوت2

 

 

المصدر: موسوعة الباب المفتوح