كان الجوّ ربيعا” وكانت البلاد بخير ، كانت إباء فتاة جميلة بيضاء الوجه زرقاء العينين نشيطة رشيقة ، في أحد الأيام دخل أخوها عامر إلى غرفتها وقال لها: أختي

اليوم أخبرني صديقي فارس بأنهم بحاجة إلى معلمة للغة الفرنسية في المعهد الذي يعمل به ، وأنت تبحثين عن عمل فما رأيك بأن تذهبي

إلى المعهد علك تعملين لديهم ، وافقت إباء وأخذت من أخيها العنوان وفي اليوم التالي انطلقت بنشاط وحماس إلى المعهد أعجبها الوضع

نوعا” ما ، وهي من أعجبت يا ترى ؟؟ لقد أعجبت فارس صديق أخيها عامر ، تزايد اهتمام فارس بإباء يوما” بعد يوم إلى أن جاء يومٌ وقرر فارس

أن يعزم فتاة أحلامه ويفاتحها بحبه وبالفعل لبت إباء الدعوة وتكلما كل واحد منهما عن نفسه ثم اعترف فارس لإباء بحبه لها وأخبرها بأنه وجد

فيها براءة وجمالا”وعفوية” افتقدها العصر ، تفاجأت إباء قليلا” ولكنها سرعان ما بدأت تبادله الإعجاب ،بعد عدة لقاءات بينهما ذهب فارس

إلى منزل أهل إباء وطلبها للزواج ، و بعد مهلة طلبها الأب ….وافق على العريس وتزوج الحبيبان واستأجرا بيتا” قريبا” من منزل أهله وظلاّ

يعيشان فيه حياة” روتينيّة” هادئة يشوبها الفقر بلونه الباهت ، وبعد عدة أشهر فقد فارس عمله بسبب بعض الخلافات بينه وبين إدارة

المعهد الذي كان يعمل فيه وكان مدرّسا” للغة الإنكليزية وهام في شوارع البلدة حزينا” حائرا” وعاد إلى المنزل وأخبر زوجته بأنه قد أصبح

عاطلا” عن العمل كانت إباء حامل في الشّهر الثالث ، لم تكترث كثيرا” فقد كانت بطبعها باردة في ردود أفعالها ، إلى هنا لم تكن قد بدأت

مصائبهم بعد ….

بعد ستة أشهر بدأت صاحبة المنزل الذي يعيشون فيه تطالبهم بإخلائه لأنها تريد أن تزوّج ابنها وتسكنه في هذا البيت ( طبعا” كحجة أي

مالك يريد طرد المستأجرين من بيته )

كان المنزل الذي يعيش فيه أهل فارس صغيرا” جدا” ومكتظا” بالأنفس ، ولا يمكن لفارس وإباء العيش معهم ، وبعد حيرة وعبرات وآهات

طُرحت فكرة بأن ينتقلوا للعيش مع أهلها لفترة مؤقتة ريثما وجد فارس عملا” جديدا” فيخرج ويستأجر منزلا” يعيشان فيه ودخلت إباء منزل

أهلها وهي تجرّ حقيبة السفر التي جرتها وهي خارجة منه عندما ذهبت توظب منزل الزوجيّة

لقد كان فارس ضخما”طويل القامة حسن الخلقة مقداما” يحب أن يطوّر نفسه كثيرا”

وكانت إباء رقيقة” نحيلة الجسم معتدلة القامة كتومة بطبعها فلاتشتكي لأحد,, عن أحد لدرجة,, مضجرة …..

عاش الزوجان حياة فيها من المكابرة والمهانة الشيءالكثير ، ولدت طفلتهما الأولى وأسمياها حلا علّها تحلّي الأيّام بقدومها

وبعد فترة عثر فارس على عمل جديد بمرتب عالي وراح الاثنان يجدّان في العمل ومع مرور الوقت استطاع الزوجان شراء بيت صغير

في ضواحي المدينة ولكن بالتقسيط وكالعادة خرجت إباء باهتة الملامح باردة التعابير بطيئة الخطوات من منزل أهلها متّجهة إلى

بيتها الجديد وهي تجرّ حقيبة السّفر التي وضعت بداخلها ملابسها وملابس زوجها وابنتها ، عاشوا في بيتهم الجديد لسنوات متتالية

لايسمع أحد عن سعادة,, تعتريهم أو تعاسة تغمهم ورزقوا بطفل جديد أسموه ( عبد الرحمن ) بعد أن أمضوا عدة سنوات في منزلهم

الجديد أمضوها بين صبر وكفاح وتكتم عن أخبارهم ، طرأت أمور جديدة زعزعت الأمان والاستقرار بشكل عام في البلاد ، وتوفي عامر أخو

إباء فتفطّر قلبها وأصابتها حالة من الصّدمة الخفية لم يشعر بها أحد إلاّ بعد مضي فترة طويلة .

على إثر الوضع الجديد عاد فارس في أحد الأيام من عمله وكان يجر وراءه حقيبة” سفرية اشتراها وهو عائد من عمله ، استغربت إباء

وسألته عنها فأجابها سأسافر غدا” إلى بلد,, مجاور لقد وجدت فرصة عمل جديدة ، حزنت إباء بصمت وفي اليوم التالي تودّعا وسافر فارس

بعد عدة أشهر قرر فارس أن يدعو إباء للعيش معه وكان قد حضّر’ لها بيتا’’ جميلا’’ وفرشا’’ جديدا’’ كان البيت في منطقة سكنيّة فاخرة

جرت إباء حقائب السفر وسافرت ، وبعد مضي سنتين من التحمّل والصّبر والتردّد حيث كانت إباء ترسل رسائل الشوق والحنين لأهلها

ولبلدها .

بعد جدال وسجال قررت إباء العودة إلى حضن أهلها ووطنها تاركة فارس في بلاد الغربة يتلوّى شوقا” وألما” على نار الفراق

ودخلت إباء من جديد إلى منزل أهلها حائرة العينين وحطت أحمالها للمرة العاشرة تقريبا” من الترحال

بدأ فارس يراسل إباء ويلومها ، أرهقها بلومه ، وفي يوم من الأيام نهضت إباء في الصّباح من نومها وقد اتخذت قرارا” جديدا” حاسما” في

حياتها ألا وهو الإ‘نفصال عن زوجها إلى الأبد وهي إلى الآن لا تدري أتعبت من زوجها ولومه أم من الأسفار وكثرة

التنقّلات أم من حقائب السّفر .

عائشة أحمد البراقي