كتبت إحدى المديرات في مذكراتها :

وأنا أتجول في أحد الأقسام استوقفتني معلمة الصف الأول، وقد بدا على ملامحها الضيق والغضب والحيرة .

المديرة :صباح الخير

المعلمة : (بحدة تحاول اخفاءها)  عندي طالب تصرفاته غير  طبيعية ، وبدأت تستفزني، وأنا تعبت منه .

المديرة : في الصف الأول الإبتدائي ! وماهي مشكلته؟

المعلمة: يمسك بوجوه الطلاب كل ما يحكي معهم،وحين يحكي معي يقترب من وجهي كتيرا” ، دائما أطلب  منه ترك مسافة بينه وبين أي أحد يتعامل معه ولكن دون فائدة !

وبعد نقاش طويل وتفاصيل كثيرة استطاعت المعلمة أن تدخلني الى دائرة استفزازها ، فاستدعيت الطالب وتحدثت معه لأكثر من عشر دقائق ،لم يعرني اهتمامه في البداية، ولكن بعد أن عرضت عليه الحلوى اقترب على استحياء،
ووضع يده على وجهي وابتسم ثم غادر .

كان لا بد من استدعاء والديه فطريقته في التواصل مع من هم في عمره وحتى مع معلمته كانت مزعجة وغير اعتيادية .

في اليوم التالي كنت متأهبة لاستقبال والديه ،لا بد أن الطفل يتعرض للعنف أو ما شابه ، وحتى لو أنكروا لن أصدقهم بسهولة ، وخطر على بالي العديد من’الأفكار والإستنتاجات المسبقة .

وصل والد الطفل (الذي بدا عليه القلق من استدعائه) ووالدته وهي تمسك بيد زوجها بهدوء وثبات الى غرفة الإستقبال ، وفي نفس اللحظة دخل الطفل مسرعا إلى حضن أبيه الذي أخذ يتحسس وجهه وشعره (بنفس طريقة تعامله مع زملائه ومعلمته)

وسأل’ الوالد ابنه : ما سبب استدعائي إلى المدرسة يا بني ؟

رد عليه ببراءة: لا أدري يا أبي ، فأنا متفوق في دروسي كثيرا” .( وخبّأ وجهه بين يدي والده لعله يشعر بالأمان)

هنا فقط اكتملت الصورة ،وأدركت كم من الحقائق لا نراها. دخل الوالدان وأنا أحاول أن ألملم أفكاري المشتتة واستجمع ما تبقى من قواي  .

فبادرني والده  بالتحية والسؤال : ما سبب استدعائي أرجو أن لا يكون قد بدر’من ابني أي إزعاج ، وتابع صحيح أنني ضرير ولكنني  أراه  بقلبي وعقلي كل دقيقة وأتابعه بكل حركاته .

أدركت حينها أن الطفل يتعلم من والده كيف يتواصل مع من حوله ، وأدركت أنه قد تعلم الحب من يدي والده وملمس وجهه .

بقلب أثقله الدمع ، ولسان تلعثم قبل أن ينطق، أجبته : ابنك متفوق جدا”ومميز وأردنا مكافأته  أمامكم لأنكم جزء من تميزه .

وأخذت أردد في نفسي:

“لا تحكم على ظاهر ما تراه ،فخلف كل جدار قصة لا تعرفها ،ووراء كل وجه وجوه أخرى ملامحها مختلفة”.