الشهادة مطلب سامٍ , ومقام منيف لايناله إلا من صدق الله تعالى، ففي معركة  اليرموك احتدم القتال بين’ الروم و المسلمين في بلاد الشام بالقرب من نهر الأردن, و أوشك’ (خالد بن الوليد) رضي الله عنه أن يهزم’ رغم’ كل قوته

فبرز عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه   ، نزل عن

فرسه وكسر غمد سيفه لئلاً يغمده . ثم أوغل في صفوف الروم , فخرج خالد بن الوليد رضي الله عنه يقول : لاتفعل ياعكرمة  فإن قتلك سيكون شديداً على المسلمين.

لكن عكرمه لم يثنيه كلام خالد رضي’ الله عنه

فخرجت بواعث الشوق إلى لقاء الله من مكامنها , وهبت نسائم الجنة على قلب تاق إليها وأشتاق ,

وبعبد دنا إلى لقاء مولاه فخفق قلبه , وهو يقول :
إليك عني ياخالد , إن لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

سابقة , أما أنا وأبي فلطالما حاربنا رسول الله في مواطن كثيرة أأقاتل رسول الله , وأفر من

الروم اليوم ؟!

إن هذا لن يكون أبداً . ثم نادى : من يبايعني على الموت ؟

فخرج الحارث بن هشام , وعياش بن أبي ربيعة , وضرار بن الأزور , ومعهم أربعمائة رجل كلهم ممن

حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم قديماً , ويريد تكفيراً عن ذنبه  ، فوقفوا أمام خيمة خالد , والتي اشتد’ القتال أمامها , فقاتلوا حتى أثخنتهم الجراح , فسقطوا جميعاً على الأرض بعد أن أبادوا الروم عن آخرهم.

في هذه الواقعة التاريخية  أظهر’ سيدنا عكرمة -رضي الله عنه- في هذه المعركة فدائية وشجاعة نادرة حتى جرح وجهه وصدره.

انتصر المسلمون انتصارًا حاسمًا، ولكن جرح عكرمة كان عميقًا فأدى إلى استشهاده، فقد وجدوا فيه بضعة وسبعين جرحًا ما بين طعنة ورمية وضربة.

وقبل أن يستشهد عكرمة ضرب أروع’ مثل في الإيثار فقد بقي عكرمة  والحارث , وعياش , وأبناء عمومتهم , كلهم قد تلقى الطعنات في صدره , فما من طعنة ولاضربة إلا وهي في صدورهم , فنادى الحارث بالماء بعد أن أشتد عطشه إثر الجراح فجيئ له بالماء فلما وضعه على فمه سمع أنين ابن عم له ينادي بالماء فقال : أعطوه الماء.
فذهبوا بالماء إليه ثم رجعوا

لعكرمه فأبى إلا أن يشرب ابن عم له يئن عطشاً هو الآخر، حتى عادوا بالماء إلى الحارث فوجدوه قد مات فلما عادوا الى عكرمة ورفاقه وجدوهم جميعا قد استشهدوا   .