إنّ العلاقة بينَ الأدبين العربي والفارسي قديمة حيثُ تعدّدت قنوات الاتصال بينهما

فاللّغة الفارسية هي لغة آرية من مجموعة اللُّغات الهندوأوربية، أي تلكَ اللُّغات المُنتشرة

في الهند وأوروبا بشكل واسع أمّا اللغة العربيّة فهي لغة ساميّة .

وبالتالي فلا يوجد بينَ اللّغتين قرابة من حيثُ الأُصول والاشتقاق، ومعَ هذا فقد وَصلهما التّاريخ وقرّبت بينهما الحَضارة، فكانَ بينهما مِنَ الصّلات والأواصر( العلاقات )

ما يقلُّ مثلهُ بينَ  اللُّغات التي يجمعها أصلٌ  ويقرّبها نَسب.

والحقّ أنّ الفارسيّة من حيث أدبها الواسع وسموّهِ تعدُّ  ثانيةَ لغات العالم الإسلامي لا يتقدّم

عليها إلاّ العربيّة كونها لغة القرآن الكريم والدّين الإسلامي.

اللُّغة الفارسيّة نشأَت في حضانة اللُّغة العربيّة، وفي ظلِّ رعايتها وتحتَ تأثيرها الشّديد.

أهم مظاهر تأثير الأدب العربي بالأدب الفارسي ( من حيث الشّكل ):

وتتلخّص أهم مظاهر هذا التأثير في الآتي ( من حيثُ الشّكل ) :

  1. كتابة اللغة الفارسيّة بالخط العربي : لم تعد الفارسيّة البهلوّية صالحةً لأن تكونَ لغةَ الفُرس، بعدَ أن اعتنقوا الدين الإسلامي، لأنّها ارتبطت في أذهانهم بالديانة الزّردشتيّة المجوسيّة، فنفروا منها، ثمّ إنّ الكتابة البهلويّة لم تكن شائعةً بينَ الفُرس أنفسهم، إذ كانت محصورة بينَ طبقة الكتّاب وحدهم، الأمر الذي شجّعَ الإيرانيين على تركها، والبحث عن كتابةٍ أُخرى، يُضاف إلى هذا أنّ البهلويّة تُكتب بحروف معقّدة، تحتاجُ إلى وقتٍ طويل في سبيلِ تعلّمها.
  2. ولم يكن الفارسيّ المسلم مستعدّاً لأن يبذلَ جهوداً كبيرةً في تعلّم البهلويّة، في حين أنّ أمامهُ الحروف العربيّة سهلة مستساغة، وهيَ الحروف نفسها التي تكتبُ بها لغة الدّين والقرآن.
  3. كثرة الألفاظ العربيّة التي دخلت إلى الفارسيّة :استعارَ الفرس كثيراً منَ الألفاظ العربيّة خصوصاً تلكَ التي تتعلّق بالدّين والحساب مثل: ( مربّع _ مثلّث _ زاوية ….) وصارت اللّغة العربيّة هيَ المورد الذي تستقي منهُ الفارسيّة كلّ ما يلزمها منَ  الكلمات التي توسّعَ  بها نِطاقها، وتنمّي محصولها،  خصوصاً في نهضتها الفنيّة .
  4. ونحنُ في الحقيقة إذا ما رحنا نبحثُ عن السّيل الفيّاض منَ الألفاظ العربيّة التي دخلت قديماً وحديثاً إلى الفارسيّة، فإنّا نجدُ على حد قول الدّكتور بديع جمعة أنّ نسبة الألفاظ العربيّة في المعجم الفارسي تزيدُ على السّبعين بالمئة ..70% 

أمثلة على ذلك :

  • مفردات دينيّة مثل : زكاة _ حج _ مؤمن _ منافق _ قرآن _ إقامة _ محراب _ إبليس _

زقّوم _ حلال _ حرام .

  • مفردات في الإدارة والسياسة : خليفة _ ملك _ أمير _ وزير _  حاجب _ قاضي _ غلط _ خطأ _ جلاّد _ سيّاف .
  • مفردات الدواوين : كتاب، حبر، مداد، قلم، خط،  درس، فصل، الفصل الأوّل، الفصل الثاني.

باب، الباب الأوّل، الباب الثاني، الأعداد.

  • مفردات الألبسة : لباس ، ثوب،رداء،عباءة،طراز،مخدّة،لحاف،إزار،جبّة .
  • من  أسماء الأطيار : قمري ، بلبل، لقلق، غراب،فاختيه(وهو نوع منة الطيور حولَ عنقهِ هالة سوداء )
  • من أسماء أدوات الزينة :حنّاء، بخور، غالية.
  • من أسماء البلاد والأفلاك : بلد، صحراء، طبيعة، بركة، حوض، سهيل، فلك، مشرق، مغرب، شمال،جنوب .
  • من أسماء المهن: خيّاط، قصّار، بيطار، بقّال، صرّاف، دلاّل…..
  • وأسماء في الحرب مثل : حرب،جهاد،علم،طبل،منجنيق،لواء،نصل،دبّوس،حربة،حلقة،قفل،عرّادة .
  • وهناك أسماء خاصّة بالأطعمة واللّهو:  القمار،سُفرة،قنينة،شراب،خمر، غذاء،حلواء،هريسة،قطايف،نُقل(وهوَ ما يحملهُ الشّاب الخاطب منَ المكسّرات والفواكه في زيارتهِ لخطيبته.

3.استعمال المصطلحات العلميّة العربيّة في اللغة الفارسيّة:

ظلّت اللغة الفارسيّة منذُ نشأتها حتى الآن تستعمل المصطلحات العربيّة في الأغراض العلميّة والفنيّة المختلفة ،وإنّ الدارس للّغة الفارسيّة يلاحظ كثرة هذه المصطلحات في كتب الفقه  والتّفسير والتّاريخ والفلسفة والشّعر والتصوّف والطّب والرّياضيات .

كذلكَ نلاحظُ أنّ الكتب الفارسيّة قد عُنونت بأسماءٍ عربيّة، فيصادفنا _ مثلاً _ أسماءٌ : التوسّل إلى التّرسّل ،مجمل التواريخ والقصص ،مجمع الفصحاء ، روضة الصّفا ، حبيبُ السير ، لباب الألباب ، جوامع الحكايات ، تذكرةُ الشّعراء ……..

إلى آخر هذه الأسماء بحيث يظنّ قارئ هذه العنوانات أنّها كتبٌ مؤلفة بالعربيّة ، في حين أنّها مكتوبة باللغة الفارسيّة ، ولا يفهمها إلاّ من أجادَ  هذهِ اللّغة.

4. المعاجم  ( المعجمات ) اللغويّة : شرعَ علماء الفرس يضعونَ كتباً  في لغتهم على نمط الكتب التي أُلّفت

في العربيّة، وذلكَ منذُ القرن الخامس الهجري، وأقدم ما نعرفهُ من هذهِ  الكتب كتاب(  لغة الفرس )

ل ( علي بن أحمد الأسدي الطّوسي ) المتوفّى سنة 465 للهجرة

ووضعت كتب لتعليم العربيّة ، مثل : (مقدّمة الأدب للزمخشري )

ومن يطّلع على الكتب اللغويّة الفارسيّة يجدُ أنّها وُضعت على أسلوب الكتب العربيّة ومعارضةً لها وقد سمّيَ بعضها بما يُشعرُ بذلكَ مثل كتاب ( صحاح العجم )ل ( هندوشاه النخجواني ) المتوفّى سنة 730هجري

فهذا الكتاب معارضة لكتاب صحاح العرب ل الجوهري .

كذلك استعارت الفارسيّة لقواعدها اصطلاحات النّحو والصّرف العربيّة : (  فعل ماض ، فعل مضارع ، فعل إخباري

اسم فاعل ،اسم مفعول ، اسم آلة ، اسم زمان ، اسم مكان ……)

فالأفعال ومشتقّاتها ، والأسماء وأقسامها ، والمبتدأ والخبر ، والفاعل والمفعول به ….. وغيرها ، واستُعملت اصطلاحاتها في الفارسيّة من  دون تغيير، واستُغنيَ عن الاصطلاحات التي لا تحتاج إليها.

كما زيدت اصطلاحات أخرى جديدة ، اقتضاها تصريف الفارسيّة مثل : الماضي القريب والبعيد والأبعد .

واللّغة العربيّة هي المثال الذي يُحتذى بهِ ، وربّما نجد كتاباً في نحو اللّغة الفارسيّة ، يستطردُ إلى الكلام في نحو العربيّة وصرفها .

وينقل أقوال أئمّة النّحو والصّرف ، حتّى ينسى القارئ أنّ الكتاب يعالج غير العربيّة ، والفرس مضطرّون إلى هذا ليبيّنوا لكلّ متعلّمٍ للغتهم حقيقة هذا العنصر الذي أصبحَ جزءا” لا ينفصلُ عن لسانهم، ولهذهِ الأسباب يُدرّسُ الإيرانيون اللّغةَ العربية لطلبتهم منذُ مرحلة التّعليم العام حتّى نهاية المرحلة الجامعيّة .

5. استعمال أوزان الشّعر العربي وقوافيه:

أخذَ الفُرس أوزان الشّعر العربي وقوافيه كلّها ونظّموا في كلّ باب.

وتفنّنوا في الأوزان والقوافي تفننً لا يتسّعُ المقام للإفاضة فيه.

فأخذوا اصطلاحات العروض كلّها ،  وفي كتاب شمس الدين محمّد بن قيس الرّازي في أوائل القرن السّابع الهجري ( المعجم في معايير أشعار العجم ) الذي ألّفهُ بالعربيّة ثمّ ترجمهُ إلى الفارسيّة ، وخاصةً في الجزء الذي يتناول العروض، يجدُ ذلكَ واضحاً.

يقولُ مؤلّف الكتاب :

((وبحكمِ أنّ صناعةَ الشّعرِ  في بادئ الأمر من اختراع طبع العرب، وابتداع خاطرهم ، وتبعهم العجم في كلّ أبوابهِ، ولم يضعوها، ونقلوا تسمية الأركان والأجزاء، وتصوير البحور والأوزان، وتقرير ما يجوز وما لا يجوز فيها وليسوا مستقلّين، فلا بدّ في هذا الكتاب أن نبدأ بشرح أوضاعهم واصطلاحاتهم في تقرير البحور.

وثبت الدوائر، وذكر أجناس الشّعر، وتعديد أوزانهم ، حتّى يُعرف الخطأ منَ الصّواب في ما زادَ العجم على أشعارهم، وما أنقصوه  منها ، ويُعرفُ غثّهُ من سمينهِ.)) .

ملاحظة : أضاف الفرس بعض الحروف بما يناسب نطقهم …