فوقَ أوراق دفتر مذكَّراتها بثَّت أعذب الحب وأطيبه، من قلبها الصّغير الرّقيق
لقد كتبت ما يُفرح القلبَ أحياناً وما يهيّج البكاء حتى الإجهاش والنّحيب ….
في البداية أمسكت دفتر مذكراتها باستهتار
ظناً مني بأنّها مجرد طِفلة، وماذا يُمكن لطفلةٍ أن تكتب وأي ذكريات تلك التي ستدوّنها
ولكن سرعان ما اتسعت عينايَ من الدَّهشة؛ كتاباتها تُذيب القَلب، لقد دوّنت أبسط التفاصيل بما يَخُصُّ أمّها أشبعت الأوراق بعباراتِ الحُب والغَرام لها والخشية مِن فراقها والحِرص على إسعادها والرسومات المعبرة التي تمثلنا معاً.
شدَدْت يديَّ على الدّفتر بقوة، ورُحت أقلّب الصّفحات بسرور ودُموعي تفيض وتَنهمر كما لم أبكِ من قبلْ.
لم يخطر على بالي يوماً بأنَّ طفلةَ العشرِ سنوات تُجيد التّعبير هكذا…
وعقلها الصَّغير يقدر على التَّفكير بهذه السَّلاسَة
وضَميرها حديث العّهد بالحياة يُجيدُ العِرفان بالجَّميل إلى هذا الحد …
سامحيني يا بنتي لطالما سِرت بجانبك متجاهلةً وجودك فأعباء الحَياة كانت تشغَل تفكيري فلا أكترث لأمرك كثيراً، وعندما كنتِ تُصرّينَ على أنْ تُمسكي بيدي كانَ أمراً مُضجراً بالنسبةِ لي ولكنَّه عظيمُ الشَّأن عندَك كما بدا لي من كتاباتك التي فطَّرت فُؤادي ..
يا لغفلَتي ….دقائقَ أمور نظرات ضَحكات ….أمور كثيرة كانت تَدور بيننا وأنا كنتُ لا أُقيم لها أي اعتبار؛ لقد دوّنت ابتساماتي ..وكَتبت عن نظرتي وعن نبرة صوتي……
شعرتُ حينَ انتهيتُ منَ القِراءة بفرحٍ غامر …اليومْ تعلَّمتُ كيفَ أحبكِ يا صغيرتي ..وعرفتُ أنَّ كلَّ تفصيلٍ معكِ لا بدَّ أن أُؤديه بملءِ إرادَتي ومِن داخلِ أعماقي.
لَن أُجاملَك بعد الآن بَل سَأُحبك بصدقِ الكَون كلّه،
وسَأُمسِك يدكِ الصَّغيرةَ بعطفٍ و رِضا لتنبضَ عروق يدينا معاً
فتشعرين بالأمان.
لَنْ يصدرَ عنّي أيَّ تصرُّف اعتباطي معَك منذُ اليوم لأنكِ تُجيدين قراءةَ الحُب …سأُريك إيَّاه بأسمى آياتهِ ما دامَ قلبي ينبضُ وعيوني تراكِ ..سأشكرك شكراً مترجماً بِأفعالي على دُروسِ الحبّ والصّدق التي تَلقيتها على يديك.

 

عائشة البراقي

مذكرات طفلة