العقد المفقود ( خاطرة ) :

منذ فترة قدمت إلى حارتنا امرأة غريبة كانت تبحث عن بيت للإيجار، كان’ الجو حارا” وكان’ يبدو عليها التعب ، طلبت منها الدخول إلى بيتي لترتاح قليلا” ثم’ تعاود البحث .
لبت دعوتي على الفور أدخلتها إلى غرفة الضيوف وذهبت للمطبخ لأحضر لها العصير والماء البارد ، أحسنت ضيافتها كما يحب الله .
بعد مضي حوالي ساعتين استأذنت وغادرت
ودعتها ودعوت لها أن تعثر على بيت قريب من بيتي فشكرتني بابتسامة ومضت .
عدت إلى الداخل وبدأت بتنظيف الغرفة وكضربة هاون على رأسي تذكرت أنني كنت أضع عقدي الذهبي الثمين على الطاولة في غرفة الضيوف
كالبرق سارعت إلى الطاولة فلم أجد سوى الطاولة !!
اختفى العقد لم أعد أرى في مخيلتي
وفي عيوني كلما أطبقتها وفتحتها سواه
يارباه كم أنا مغفلة، كيف وثقت بالغرباء وأدخلتهم عقر داري؟!
المشكلة أن للعقد أهمية كبيرة بالنسبة للعائلة فهو متوارث من جدة إلى بنت إلى حفيدة ..
وهكذا إلى أن وصل إلى هاتين اليدين اللتين لم تستحقانه .
بعد مدة استأجرت المرأة في حارتنا بكل وقاحة، تفاءلت قليلا” بأنني قد عثرت على غريمتي بسهولة .
سارعت لزيارتها واستجلبت كل لطافة الدنيا ووضعتها في ابتسامتي لأقنعها بالاعتراف والعطف على قلبي الممزق .
طرقت بابها بيد مرتجفة وقلب يخشى خسارة الرهان الأخير .
فتحت رحبت أهلت بي وسهلت،
استضافتني كأحسن ما يستضاف به المرء
وبعد السلام والاطمئنان عليها والمباركة لها في بيتها الجديد حيث كانت كلماتي تخرج مسرعة” لأنتهي منها وأسألها عن عقدي فتلعثمت على حجم ارتباكي وقلقي من أن لا أجد ضالتي.
استجمعت حبي لعقدي وإعجابي بتاريخه وخوفي من أن أكون المهملة الوحيدة بعد سلسلة من حريصات ومخلصات عائلتي وسألتها عنه
فلم يرف’ لها جفن ولا اعتراها لون الإحراج الذي يكشف الأكاذيب ، وأجابتي ببرودة مقيتة : ( لا أعرف عن ماذا تتكلمين) !!
أحاط اليأس بقلبي كما يحيط الجليد بالصخور
ازداد قلقي لأنني أيقنت بأنها ليست إنسانة طبيعية بل هي معجونة بالكذب والخداع والنفاق حتى تنحت كل صفات الفطرة الإنسانية
السليمة وسادت لديها أسوأ الصفات .
خرجت من بيتها أجر أقدام الخيبة، والصدمة
أعمتني ، أقول في نفسي كنت أدرك بأن’ هناك’ شرا” بين جنبات الخير ولكن لم أعرف إلى اليوم درجة” كهذه !!
حضرنا بعد شهر تقريبا” مناسبة في الحي كان الجميع يضحكون ويرقصون والمرأة الغريبة
أصبحت من أعيان الحارة ما شاءالله !
والأكثر فداحة” في الموضوع أنها ارتدت عقدي وراحت تتباهى به أمام الحضور ،
خطر’ ببالي أن أنقض’ عليه وآخذه منها عنوة” فهو لي .
ولكن أدركت تماما” بأنني حينها سأتحول إلى سارقة في نظر الجميع ، وستغدو هي الضحية المغلوبة على أمرها .
تجمدت في مكاني كالتمثال وأصخت السمع
علي أفهم شيئا” مما يجري
كانت تخبر النسوة أن’ عقدها تاريخي عمره مئات السنين ، ونظراتهن تشع إعجابا” وحسدا”
نظرت إلى العقد كنظرة الوداع التي تلقى على ميت قبل’ تشييعه وعدت إلى بيتي أحيد الحسرات عن ناصية طريق قلبي المكلوم .

ماذا ؟؟

حزنتم على عقدي ؟!
ما من عقد إنها فلسطين ذهب العرب
المسروق والذي نسب تاريخه العريق زيفا” إلى الصهاينة الغاصبين ، والعالم ينظر إليهم و يصفق لهم بإعجاب !
وقلوب الفلسطينيين والعرب تتلوى على نيران القهر
والعجب .

عائشة أحمد البراقي

جميع الحقوق محفوظة لموقع علمني