شعر الغزل عند بدوي الجبل

لشعره في المرأة نوعان:

أولا- نوع يتحدّث به عن تجاربه من حب، وخيبة .

ثانيا – نوع في الغزل.

والنوعان يصبّان في تجاربه:

ففي الخيبة من المرأة يعنون البدوي قصيدةً له بعنوان: ( الدميَّة المحطّمة ) يقول فيها:

أيا دميةً  أنشأتها وعبدتها                           كما عبد الغاوونَ منحوت أحجارِ

سكبتُ بها روحي وأهواءَ صبوتي               وألوان أحلامي وبدعةَ أطواري

ويختمها وهي قصيدة طويلة بقوله:

رددْتك للطين الوضيعِ وما حنا                  على روضك الهاني هبوبي وإعصاري

وفارقتُ إذ فارقتُكِ الطّينَ وحدَهُ                 وعادت إلى نفسي عطوري وأنواري

نلمح غرور الأديب، فعندما تركته حوّلها دمية وحطّمها، وأعادَها إلى الطّين، وأنّه هو من خلقَها، 

يريد أنّها لولاه لا تساوي شيئاً، فهوَ الذي وهبها الحياةَ والخلود، وحينَ افترقا أعادها إلى الحضيض.

وعادت إليه روحه وحياته كما يقول في البيتين الأخيرين، فشعره يقوم على التّجربة، وتطالعنا مع بداية قصائده

الغزليّة قصيدته شقراء، ويقول فيها:

هَدْهِدْ همومَك عندي                    على حيائي وصدّي

حورُ النّعيم تمنت                          نعمى هواي ووجدي

هل عندهنّ رحيقي                       وهل لديهنّ شَهدي

يا ساكبَ الشّعر خمراً                   من شعر ربّكَ خدي

والغزل في هذه القصيدة جاء على لسان المحبوبة، فهوَ أعطاها كلّ الصّفات العُظمى والنبيلة والعُلوية التي لا تنبغي لغيرها،  وهي تدعوه أن يكون مستقراً لروحها وأن يكون باقياً عندها، ولذا فهي تعدّد له ما تمتلك من مواصفات.

ويتابع:

شقراء يا لونَ حسن                  محبّبٌ مستبدّ

ويا جمالاً غريباً                      على ظِباءِ معدِ

الحبّ لا حكم شورى                 لكنّه حكم فرد

فالحب عنده حكم فرد وليس حكم شورى، فمن يحبّ لا يتّفق أن يجمع النّاس ليصوّتوا له أيحبّ أم لا فهو قرار  لا يخصّ سواه.

وله قصيدة وربّما هي الأروع فيما كتبَ، واسمها ( الحبّ والله ) يقول فيها :

تأنّقَ الدّوح يرضي بلبلاً غرِدا            منْ جنّة الله قلبانا جناحاه

مدلّه فيك ما فجر ونجمته                مولّه فيك ما قيسٌ وليلاه

سما بحسنك عن شكواه تكرمة         وراح يسمو عن الدنيا بشكواه

وعندما بلغَ الخمسين كتبَ قصيدةً  يقول فيها أنَّ الحب لاعلاقة له بالعمر، بل  هوَ روح متجددة، يقول:

أتسألين عن الخمسينَ ما فعلت         يبلى الشّباب ولا تبلى سجاياه

في القلب كنزُ شباب، لا نفادَ لهُ         يعطي ويزداد ما ازدادت عطاياه

ويقول في قصيدة أخرى بعنوان ( اللّهب القدسي ):

آمنت باللهب القدسيّ مضرمة             أذكى الألوهة فينا حينَ أذكاه

نزيّنُ الرّوحَ قرباناً  لفتنته                     وقد يضنّ فتستجدى مناياه

قافية الألف والهاء تستطيع التّعبير عن مكوّنات النّفس أكثر وتستطيع أن تعطينا معنى المشاركة،  فهو يريد أن يقول

إنّهما يتأوّهان معاً.

سمات شعر الغزل عند بدوي الجبل:

1_ الدّخول في أغوار النّفس والرّوح: فلا يُباشر محبوبته بالغزل ويعدّد صفاتها، ولكن يعود بالمحبوبة إلى سدرة المنتهى، وإلى لحظة الخّلق،  وإلى الجّنة، لأنّه يرى العّشقَ كوناً متكاملاً، وليس حالةً آنيّة.

2_ السّمو في المعاني: فلا نجد عنده معاني مبتذلة ولا يصف وصفاً حسياً.

3 – تعزيز الغزل بالمعرفة الدّينيّة والرّوحيّة، فالحب عنده حالةُ حياةٍ دائمةٍ، وليست طارئة فلا يمكن أن تتبدّل وينقلب منها إلى شيء آخر.

4_ التأنّق اللغوي: فهو لا يقلّ شأناً عن شعره في الرّثاء وفي الوطن،  فالحب عنده حالة حياة دائمة.

5_ المشهديّة في الحوار والشّعر: في قصائده إمّا المحبوبة تتحدّث، وإمّا هو، فلم يوجه شعره للقارئ ولا للجماد،

ولكن لها وحدها، فنجد في شعره روحاً جاءت من هذا الحوار بينهما.

6_ الصّورة الشّعرية:

والبدوي ذو صورة شعريّة عالية،  مثلاً نجده يقول :

أنا نشوانُ ومن خمرِ الهوى       قد ترشّفت رحيقاً بابليا

سكرة الحبّ في عهد الصّبا        كيف لا يُعذَر من كان صبيّا

في ظلال الوردِ أحسو خمرَتي        مشركاً في كأسيَ الزّهرَ النّديا