عمر بن أبي ربيعة:

إن لشعر عمر طابع خالف به طابع الغزل العربي المعروف , ذلك أنه كان هو من يلفت نظر المرأة ويتيمها وليس العكس ,ولقد أتى بالنساء في شعره لا ليبثهن تباريح الهوى والعشق ,ولا ليصف جمالهن ,ولا ليشكو من هجرهن ويصف آلامه ,وإنما جاء بهن ليعبر عما ينفث من لواعج الحب فيهن , وليصفن حسنه البديع ,فهن كما يصورهنّ في شعره مشغولات به هائمات بجماله ,تتردد بينهن الأحاديث في فتنته وجماله وإغرائه .

وكان لابد لهذا كله أن يطبع شعر عمر بطابع الحوار والقصة وتعمق هذا الطابع ديوانه كله .

ومن الملاحظ أن القصة في شعر عمر كانت مستمدة من خيال واسع خصب كان عمر يقص مايتخيل ,سواء حين يصف مغامراته ,أو حين يصف أحاديث النساء وولعهن به ,وقد قال د.طه حسين في ذلك : إنه يعبث قليلاً ويعف كثيراً وسنجد في الحديث عن القصة في شعره أنه كان يهتم كثيراً بوصف محاولات اللقاء والصعوبات التي تعترضه ,ويفصل ويطيل الحديث في هذا ,حتى إذا وصل إلى اللقاء تعجَّل فوصفه ببيت واحد ,وربما اكتفى بشطر ,وكأنه يفرّ من الحديث عنه .

حيث يقول :

أبصرتها ليلاً ونسوتها               يمشين بين المقام والحجر

بيضاً حِساناً خرائداً قطفاً          يمشين هوناً كمشية البقر

قد فزن بالحسن والجمال معاً       وفزن رسُلاً بالدلِّ والخفر

ينصتن يوماً لها إذا نطقت            كي ما يفضلنها على البشر

قالت لتربٍ لها تحدّثها               لنفسدنََّ الطواف في عمر

قومي تصدََّي له ليعرفنا            ثم اغمزيه يا أخت في خفر

قالت لها قد غمزته فأبى         ثمّ اسبطرّت تسعى على أثري

شرح المفردات :الخرائد :جمع خريدة وهي الفتاة الحيية طويلة السكوت .

قطف : جمع قطيفة ,وهي الفتاة البطيئة المشي .

يمشين هوناً :أي يمشين بتؤدة .

الرِّسل : الرّخاء والخصب

الخفر : شدَّة الحياء

الدل : الدلال , وهو أيضاً حسن الحديث وحسن المزاج

اسبطرَّت : أسرعت في مشيها .

عمر بن أبي ربيعة شاعر عربي من العصر الأموي رسم خطاً مختلفاً في العشق فجاء اختلافه بهياً جريئاً وأجمل ما في شعره أنك تكاد تظنّ انه شاعر ماجن ,وسرعان ما يثبت لك العكس فتراه في غاية الرقة والعذوبة يسهب في الحديث عن شوق اللقاء ومن ثم وبعد كل هذه الأشواق يكتفي بحديث سريع عن هذا اللقاء .

إنه مفخرة من مفاخر شعراء العرب .