خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي في الكوفة:

ولّى عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي على العراق سنة خمسٍ وسبعينَ للهِجرة

فلمّا دخلَ الكوفةَ، خطبَ في النّاسِ خطبتهُ المشهورة:

حدث عبد الملك بن عمير الليثي قال بينما نحن في المَسجد الجامع بالكوفة وأهل الكوفة يومئذ ذو حال حسنة يخرج الرَّجل منهم في العشرة والعشرين من مواليه إذ أتى آت فقال هذا الحجاج قد قَدِم أميراً على العراق فإذا به قد دخل المسجد معتماً بعمامة قد غطَّى بها أكثر وجهه، متقلداً سيفا متنكّبا قوسا، يؤم المنبر فقام الناس نحوه حتى صعد المنبر فمكث ساعة لا يتكلَّم فقال النَّاس بعضهم لبعض قبَّح الله بني أمية حيث تستعمل مثل هذا على العراق حتى قال عُمير بن ضابئ البرجمي ألا أحصبه لكم فقالوا أمهل حتى ننظر فلما رأى عيون الناس إليه حسر اللّثام عن فيه ونهضَ فقال: أنا ابن جلا وطلاع الثَّنايا متى أضع العمامة تعرفوني ثمَّ قال يا أهلَ الكوفة أما والله إني لأحمل الشرَّ بحمله وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله وإني لأرى أبصارا ًطامحةً وأعناقاً متطاولةً ورؤوسا قد أينعت وحان قِطافها وإني لصاحبها؛ وكأني أنظر إلى الدّماء بين العمائم واللِّحى تترقرقْ ثمَّ قال: هذا أوان الشدّ فاشتدي زيم قد لفها الليل بسواق حُطَم ليس براعي إبل ولا غنم ولا بجزار على ظهر وضم قد لفها الليل بعصلبي أروع خراج من الدوي مهاجر ليس بأعرابي قد شمَّرت عن ساقها فشدوا وجدت الحرب بكم فجدوا وليس القوس فيها وتر عردُّ مثل ذراع البكر أو أشد لا بد مما ليس منه بدُّ

إنّي والله يا أهل العراق ومعدِن الشّقاق والنّفاق ومساوئ الأخلاق ما يُقعقع لي بالشّنان ولا يُغمز جانبي كتغماز التين، ولقد فررت عن ذكاء وفُتّشت عن تجربة، وجريت إلى الغاية القصوى وإنَّ أمير المؤمنين أطال الله بقاءه نثر كِنانته بين يديه فعجم عيدانها فوجدني أمرَّها عوداً وأصلبها مكسراً فرماكم بي لأنكم طالما أوضعتم في الفِتن واضطجعتم في مراقِد الضَّلال وسننتم سنن الغي، أما والله لألحونكم لحوَ العَصا ولأقرعنَّكم قرعَ المروءة، ولأعصبنَّكم عصب السلَمة ولأضربنَّكم ضرب غرائِب الإبل فإنّكم لكأهل قريةٍ كانت آمنة مطمئنةً يأتيها رزقها رغداً من كلّ مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها اللهُ لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، وإنّي واللهِ لا أعِدُ إلاَّ وفيت، ولا أهِمُّ إلا أمضيتُ، ولا أخلق إلا فريت، فإياي وهذه الشفعاء والزرافات والجماعات وقالا وقيلا، وما تقول وفيم أنتم وذا كأما والله لتستقيمن على طريق الحقّ أو لأدعنَّ لكلِّ رجلٍ منكم شغلاً في جسده، وإنَّ أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أُعطياتكم وأن أوجهكم لمحاربةِ عدوّكم مع المهلَّب بن أبي صفرة، وإني أقسم بالله لا أجد رجلاً تخلَّف بعد أخذ عطائه بثلاثة أيامٍ إلاَّ سفكتُ دمه وأنهبت مالَه وهدَّمت منزله.

انتهت الخطبة.

1_خطبة الحجاج المشهورة: تاريخ الطبري.                                                                             2_ البيت للشاعر سحيم بن وثيل الرياحي وابن جلا : المنكشف الأمر، والثّنايا جمع ثنيّة وهي الطريق في الجبل، يريدُ أنّهُ جَلِدٌ يصعدُ الجّبال، معَ ارتفاعها، وقسوةِ السّيرِ فيها، العمامة: المغفر _ والبيضة تلبسُ في الحرب.والمعنى: متى أخلعُ العمامةَ فينكشفَ لكم أمري أو متى أخلعها تعلموا أنّي الشّجاع الذي لا ينام على ثأرهِ.

3_ البيت لرويشد بن روميض العنبري، الشَّرح: زِيَم: اسم ناقة، الشد: العدو( الرَّكض)، وحُطم مجتهدٌ لا يتوانى في مسيرهِ، وضم: ما يقطّع منَ اللّحم.

__ يُقعقعُ: يُصوَّتُ.                                                                                                          __الشّنان: جمع شنَّ وهوَ الجّلد اليابِس.

__ فررتُ: فرّ عنِ الأمر بحثَ عنهُ.

__ الذّكاء: السن.

___ عجمَ  العود: عضّهُ ليعرفَ صلابتهُ.

___ أوضعتم: من وضعِ البعير، وأوضعه راكِبُهُ إذا حملهُ على سرعةِ السّير.