كان هناك رجل حكيم فى عهد الحجاج وكان بينه وبين الحجاج خلاف، وفي أحد الأيام كان هذا الرَّجل يسير مع أصحابه فى مزرعة عِنب وإذ يذكرونَ سيرة (الحجَّاج) فقال الرَّجل اللهمَّ سوّد وجهه وانحر عنقه واسقنى من دمه، وكانوا يعلمون ما بينه و بين الحجاج من خلاف  فذهبوا إلى الحجاج وقالوا له ما قاله عنه الرَّجل، فطلَب الحجَّاج إحضارَ هذا الرَّجل فلمّا حضرَ سألَه الحجاج: أقلتَ كذا وكذا…؟

فقال الرَّجل نعم ولكنَّني ما قصدتكَ، إنَّما قصدت العنبَ فسأله الحجاج وكيفَ ذلك؟

فأجابَ الرَّجل:
أن يسوّدَ الله وجههُ: أي أن يصيرَ زبيباً،
وأنْ ينحرَ عنقَه: أي أقطفَه وأجني ثمَره،
اسقنى من دمِه: أي آكله وأستطعمه.

فقالَ الحجَّاج لأحملنَّك على الأدهمِ ( أي يقيد بالحديد الأسود)،
قالَ الرَّجل: مثل الأمير من يحمل على الأدهم (الحصان الأسود )
فقال الحجاج: ويحكَ إنَّه الحديدُ، فقال لهُ أن يكون حديداً

(أي سريعاً) خيرمن أن يكونَ بليداً

فقال له أحد الجُلَساء: اعف عنه لأجلي فعفا عنه الحجَّاج
ثم قال له ادعو للأمير.
فقال الرجل:
اللهمَّ بيّض وجهه، وأعلِ كعبَه، و أقرَّ عينَه، فتعجَّبَ النَّاس أنَّهُ يدعو للحجَّاج، ولكن قالَ أحدهم ألم تفهموا ما قال؟!

إنَّه كانَ يقصدُ:
بيض وجههُ: أي بالعمَى والبَرص،
أعلِ كعبَه: أي أنْ يُصلبَ فوقَ خشبةٍ عاليةٍ فيعلو كعبه عن الأرض،
أقرَّ عينَه: أي أن يموت.

فقال له الحجاج: ما علمك عني؟
فقالَ الرَّجلُ: عِلمي عنكَ أنَّكَ رجلٌ عادلٌ قاسِطٌ،

وبالطَّبع كلمة عادل: المَقصود بها مائِل عنِ الحق،
أما قاسِط أي ظالِم قال تعالى:  {أمَّا القاسِطون فكانوا لجهنَّم حطباً}.