عمر أبو ريشة شاعر عرفه الشعر الحديث في الصورة فعندما يرسم الصورة الشعرية ينحتها نحتاً، وكأنَّه يأخذ بفن التصوير في
الأبعاد الثُّلاثية، أي يرسم الصُّورة من جميع أطرافها ثمَّ يدخل في جوهر القضيّة، فنحن أمام شاعر مبدعٍ في قضيّة التصوير، وكان مجدّداً وقد اختلف في تاريخ ومكان ولادتهُ، فيقال إنّه ولد في عكا لأبوين من منبج، ويقال ولد في منبج.

نشأَ في حلب وحلب مدينة صناعية، وتشتهر بمعامل النَّسيج، وأراد له والده مستقبلاً مشرقاً، فأرسله إلى بريطانيا ليدرس علم الأصباغ، ليتقنَ علمَ الأصبغة ويشرف على معمل النَّسيج.
فدرسَ وعادَ، ولم يعمل بشهادته، فقد أحبّ الأدب، والتزم الكتاب، وصارَ مديراً لدار الكتب الوطنيّة في حلب.

عمر أبو ريشة في الهِند: أصبحَ عمر أبو ريشة سفيراً ينتقَّل من بلدٍ إلى آخر، وعندما وصل إلى الهند كانت الهندُ في عظمتها، فقد كان فيها غاندي وغيره من الكِبار والأدباء، فبنى أبو ريشة علاقات مع هؤلاء، وصار صديقاً لكبار الفلاسفة والشُّعراء هناك، واثّر وتأثّر بهم، وبعدَ أن أمضى مدّة
سفره هناك عادَ إلى سورية.
انتقل بعدها إلى النّمسا، وعادَ مجدَّداً إلى سورية، وعندما أرادت الحكومة السّورية أن ترسلَ سفيراً مُجدداً  إلى الهِند، طالبت الحكومة الهندية بعُمر أبو ريشة فعاد إلى الهند سفيراً مرّةً أُخرى، لأنَّه كانَ دبلوماسيَّاً كبيراً، فعِندما كان هناك لم يترك معبداً بوذيّاً إلاّ و دخلَهُ،
إذ كانَ يطّلع على حضارات الهند.

وقد كُرّم بسبب قصيدة قالها عن معبد ( كاجوراو )، فقد وصف المعبد وصفاً مذهلاً يقول فيها :

من منكما وهبَ الأمانَ لأخيه أنتَ أم الزمان؟!

يا هيكلاً نثرَ الفُنون ورنّح الدُّنيا افتتان!

فعندما نقرأ القصيدة نشعر أنّه رأى وسمِع من جاء إلى هذا المعبد وهو يشكو همّه سواء أسرّ أم أبان ،فيقول عمر أبو ريشة:

كم زائراً دمّى فؤادك ما أسرّ وما أبان

والصورة هنا بالِغة الجَّمال، فالمَعبد الذي هو حجر، جعله أبو ريشة يشعر ويسمع ويتألّم لما يقوم به من يزوره من بني البشر.