أيتها السيدة التي استقالت من أنوثتها

1

أيتها السيّدة التي استقالت من أُنوثتها..

ومن أمشاطها، ومكاحلها، وأساوِرريديها.

كانَ اللهُ في عونِكْ…..

أيّتها السيدة التي استقالت من رنين البيانُو……

ورنينِ النَّبيذِ الأحمر ……. ورنينِ شهواتي….

كانَ اللهُ في عَوْني….

أيّتها السيّدة التي استقالَت مِن نهديها…..

ووضعتهما كتُفّاحتينِ في ثلاَّجةْ……

كانَ اللهُ في عَونِ المرايا…

2

أيّتها الرَّصينةُ كموظَّفةٍ في بنكٍ عربيٍّ مؤمّمْ……

إبتسمي قليلاً……

ففمُكِ لا بأسَ بهِ إذا رششتِهِ بماءِ الفَرَحْ……

وعَيناكِ لا بأسَ بهما …..

إذا كحَّلتِهِما بقليلٍمنَ الحنانْ….

إكسري الزُّجاج الذي يفصلُ بينَ صوتي وغاباتِكِ الشَّاسِعةْ

بينَ أصابعي ….. وأقاليمِكِ الاستوائيّةْ….

بينَ حِصاني …… ومزارِعِكِ الطَّازَجةِ العُشبْ …..

3

أيّتها المُثقَّفة إلى درجة التجلُّدْ…..

الأكادميّةإلى درجة القشعريرةْ…….

أيّتها المُحاصَرَةْ…

بينَ جدرانِ الكلمات المأثورة….

وتعاليمِ حُكماءِ الهِندْ……

ولُزوميَّات ما لا يلزَمْ……

أنتِ مَأخوذةٌ بأبي العتاهيةْ

وأنا مأخوذٌ بالشُّعراءِ الصَّعاليكْ……

أنتِ مُهتمّةٌ بالمُعتزلةْ….

وأنا مُهتمٌّ بأبي نوّاسْ

أنتِ مُعجبةٌ برَقصِ ( الباليهْ )

وأنا مُعجَبٌ برقصِ الدراويشْ….

أنتِ تَسكُنينَ مراكبَ الوَرَقْ….

وأنا أسكُنُ البَحرْ……

أنتِ تسكُنينَ الطُّمأنينهْ…

وأنا أسكُنُ الإنتحارْ….

4

أيَّتها السيّدةُ المُضطجعةُ على رفوفِ الكُتُبْ.

أيَّتها الضّائعةُ في غُبارِ النُّصوصْ….

إنَّ دمي أنقى مِن حِِبْرِ مخطوطاتِكْ…….

وقِراءة فَمي ….. أهمّ مِن جميعِ قراءاتِكْ…

فلماذا لا تتثقَّفينَ على يدَيَّ؟

فأنا الثَّقافة …… أنا الثَّقافةُ ….. أنا الثَّقافةْ…

أنا الذي أستطيعُ أن أُحوّلَ نهدَكِ إلى حمامهْ

وفخذيكِ إلى سبيكَتَي ذهبْ..

وفَمكِ إلى عُشٍّ للعصافيرْ..

أنا الذي أستطيعُ أن أجعلكِ ..

ملكةً ….. أو جاريهْ..

سمكةً …… أو غزالهْ…

أو قمراً في باديهْ….

أيّتها السيّدة المُستنكفة عن السّفر الليليّ..

أيّتها الخائفةُ من رائحة الرّجلْ….

ورائحة المراكبْ….

أيّتها السّمكة التي لاتُريدُ أن تسبحْ….

ولا تُريدُ أن تغرقْ…

لماذا لا تتَتلمذينَ على يدي؟

إنّني أعرفُ كلَّ شيْ عن النّساء ….. والنّباتات المُتسلّقهْ

والحيوانات الأليفة … والحيوانات المُفترسهْ..

لماذا لا تتتلمذينَ على يدي ؟

إنّني أعرفُ كُلَّ شيءٍ عن العناصر الأربعهْ..

أعرفُ كلَّ شيءٍ عن كيمياء الأرض ….

وكيمياء الإنسانْ…

أعرفُ التّفاحةَ كيفَ تستديرْ….

وغابات القصب كيفَ تتشابكْ

والنمرَ كيفَ يقفز…

ونهْدَ المرأة كيفَ يبحثُ عن فريستهْ…

6

أيّتها السّيدة التي استقالت من كُتُبِ الشِّعر…

ودخلَت في جدول الحسابْ…

واستقالتْ منَ الورد …. والماء… والعصافيرْ….

ودخلَت في اليباسْ..

لماذا لا تستعملينَ أعشابي الطّبيّهْ؟

لماذا لا تثقينَ بمعارفي؟…

فأنا المعرفةُ…

أنا المعرفهْ….

هلْ تَرينَ هذهِ العُروق المُنفجرةَ على وجهِ يدي؟

هلْ تَرينَ هذهِ الشّقوق المفتوحة على ضِفاف فمي؟

هل تشُمّينَ رائحةَ الكِبريتِ…

المُتصاعدةَ من شراييني؟

هذهِ هيَ شهاداتُ همجيّتي ……وجنوني

وهيَ كلها من مرتبة الشَّرَف…… كما تُلاحظينْ

فهل ثمّةَ وظيفةٌ شاغرة؟

لحدائقيٍّ …. يطلبُ عملاً في بساتينِ عينَيكِ؟

7

أيّتها السّيدة التي تتعاملُ معي …..

بميزانِ صَيدليّْ….

وتلامسُ يدي، بحيادِ ممرّضهْ..

إنّني لا أتحمّل ثيابكِ البيضاءْ..

وأسنانكِ البيضاءْ….

وابتسامتكِ البيضاءْ….

لا أتحمَّل كلَّ هذا التنظيمْ…

في التَّعبير عن غرائزي …..

لا أتحمَّلُ كلَّ هذا المناخ المُعَقَّمْ..

والشّراشفِ المُعقَّمهْ…

والعواطف المعقَّمهْ…

لا أتحمَّل أن أقفَ ساعاتٍ في طابورِ الفلاسفهْ….

لأحصلَ منكِ على قُبلهْ …..

كلُّ هذهِ الكُتُب التي تُحيطُ بكِ …… أسماكٌ مُجلَّدهْ…

كلّ هذهِ القوارير الكبيرة والصَّغيرة لا تُخفِضُ حرارتي….

فارميها جميعاً …. والتجئي إلى أعشابِ صدري..

كخروفٍ أبيضْ…

أيَّتها السّيّدةُ القاسية كناظرة مدرسةٍ داخليّهْ….

إعفيني من إرهابكِ الثَّقافيّْ..

إن الطفلَ في داخلي، يُريدُ أنْ يلعبَ معكِ..

فلماذا لملمتِ كراتكِ وانسحبتِ؟

قد لا أكونُ عادلاً في لعِبي معكِ ..

ولكنَّ أطفالَ العالم كلّهم مثلي…. لا يعرِفونَ العدالهْ…

قدْ تكون سُمعتي سيّئة في الشَّارع الذي تسكُنينهُ..

أنْ أجعلكِ تربحينْ…

فاربطي شعركِ بشريطٍ أزرقْ….

واضربي الكُرةَ أنتِ …

إضربي كُرَتيْنِ إذا شِئتِ…

هاجمي أنتِ …. واقتحمي أنتِ…

واخترقي جَسَدي أنتِ..

فليسَ مُهِماً أنْ أربحَ أنا….

وليسَ مُهمّاً ما ستَكتُبُهُ الصَّحافةُ عنّي ….

المُهِمُّ أنْ تعرِفَ الصحافَهْ…

أن الإمبرياليّة قد تكونُ امرأهْ ……

نزار قباني / هكذا أكتبُ تاريخَ النّساء