منذ زمان ليس ببعيد، كانَ هناك عائلة مؤلّفة من أب وأم وثمانية أولاد، حملت حنان بالولد التاسع رغم الفَقر والفوضى التي كانوا يعيشون فيها، وعندما حانَ موعدِ الولادة لم يكن زوجها موجوداً في المنزل فرافقها أخوها وزوجته إلى المشفى وهناكَ كانت حنان تعاني آلامَ المخاض ولم تجد من يُواسيها أو يمسكُ يدها أو يخفف عنها الألم لأنّ أخاها وزوجته كانوا يتفاوضون في صفقة دنيئة، لقد كانَ أحد الأطباء المشرفين على هذه المشفى قد

اتَّفق مع زوجين كانا قد حاولا كلّ المحاولات ليُنجبا طفلاً ولكنَّ طفلهما ولد ضعيفاً وفارق الحياة بعد ساعات قليلة من ولادَته،

كان أبو الطّفل ثرياً جداً وتألَّم كثيراً بسبب موت ابنه، خطر ببال الأب فكرة بأن يتبنّى ولداً أو شيء من هذا القبيل، المهم فكّر بأنّه يجب ألاّ يضيّع حلمه وحلم زوجته، دار بينَه وبين الطبيب حديث حول إمكانيّة المساعدة،

اتّفق الطّبيب مع أقارب حنان على تبديل المولود الجديد بالطفل الميّت وبأن يخبروا حنان بأنّ الطّفل قد مات، وذلكَ مقابل أن يقبضوا مبلغاً من المال، كانت الولادة عسرةً جداً وعندما وُلد الطفل أغميَ على حنان من شدّةِ الألم،  وعندما صحَت كانَ تبديل الطفلين قد تمّ ……

بحجّة أنّ حنان لديها ثمانية أطفال أمّا المرأة المسكينة الأخرى فهي لم تجرّب طعم الأمومة بعد ……

وعلى أساس هذه الحجج الواهية استباحوا حقوقَ الناس وحياتهم.

طلبت حنان من المُمرضة إحضار الطّفل لها، فتلعثمت المُمرضة وقالت لها بارتباك سأنادي للطبيب انتظري لحظة،  شعرت حنان بأنَّ أمراً مريباً يحدث، وبدأ قلبها ينبض بشدّة، بعد قليل دخلتْ المُمرّضة والطبيب إلى الغُرفة وكذلكَ دخلَ أخو حنان و زوجته، كانت وجوههم متجهمة مرتبكة أيقنت حنان بحلول مصيبة وصرخت في وجههم: أينَ ابني؟!

قال لها الطبيب تجمّلي بالصبر فلديك ثمانية أولاد حسب ما قال لي أقاربك فقالت له وماذا تعني بكلامك؟

قال: ابنك ولد ضعيفاً وماتَ من فور ولادته؛  استنكرت حنان كلامه بشدّة وقالت له لقد رأيت ابني قبل أن أفقد الوعي لقد كانَ بصحّةٍ جيّدة، ثمّ إنني سمعتُ صرختَه الأولى لقد كانت قويّة ومُطمئِنة أرجوكم تأكّدوا من الموضوع، لا بدَّ من أنَّ هناكَ خطأ ما، ذرفَ الأخُ وزوجته دموع التماسيح، وحاولا تهدأتها بصوت يرنُّ الكذبُ بينَ حروفه،

دخلت ممرضة تحمل بين يديها طفلاً ملفوفاً بالأبيض وناولته لأخِ حنان، فحملَه بحزنٍ مُصطنع وتقدم إلى أختهِ لتلقي على ابنها النَّظرة الأخيرة، نظرت حنان إلى الطّفل وصرخت من الأعماق هذا ليس ابني ياقتلة يا مجرمون، إنّهُ لايُشبهُ أبنائي وقلبي يقولُ لي بأنَّهُ ليسَ ابني…..

أخذوها وغادروا المشفى بصعوبة بسبب وضعها،

قاموا بدفنِ الطّفلِ الذي دُفنت معهُ أسرارٌ كثيرة وكذلكَ دُفنت في قبرهِ أفراحُ حنان وسعادتها .

أما عن حنان فلم تصدّق كلامهم ومازالت تتابع أخبار ابنها في قلبها فهي تحسب له سنوات عمره ومازالت تُخبر النَّاس بعمرِ ابنها وأخباره، فتقول لقد أصبحَ حسين الآن في الصفّ الأوّل…….. لقد أصبح في السادس …..  وعندما بلغَ الثامنة عشرَ من عمرهِ كانت تقول: حسين الآن التحقَ بالجيش ليخدمَ الخدمة الإلزاميّة،   لقد أصبح في العشرين …….

أصبحَ شُغلها الشَّاغل التَّفكيرَ فيه وفقط فيه، حتى أُشيعَ عنها أنَّها فقدت عقلها،

لم يستطع أبناؤها الثمانيّة ولا سنين العمر أن ينسياها ابنها المفقود ……

عائشة أحمد البراقي